الجمعة، 28 نوفمبر 2025


*** الأستاذ سمير. ***

النادي الملكي للأدب والسلام 

*** الأستاذ سمير. ***

بقلم: سالم حسن غنيم

*** الأستاذ سمير. ***

بقلم: سالم حسن غنيم

حكّواتي الوجدان الشعبي

في أطراف مدينة هادئة، كانت تقف مدرسة قديمة تُدعى مدرسة الريح الشرقية.

جدرانها باهتة، مقاعدها متهالكة، لكنها كانت تعجّ بأصوات الطلبة… أصوات تشبه الأمل حين يحاول أن يعلو فوق كل شيء.

كان في المدرسة معلم اسمه سمير؛

معلم بسيط، هادئ، يحمل في قلبه إيمانًا عميقًا بأن التعليم ليس وظيفة… بل رسالة.

وذات صباح، جلس سمير مع مديرة المدرسة الجديدة، الأستاذة مريم، التي جاءت تحمل رؤية واضحة:

نريد مدرسة تصنع الفرق… مدرسة تُبنى على الجودة، لا على التكرار.

ابتسم سمير وقال بثقة:

"نستطيع يا ست مريم… إذا وضعنا الطالب في المركز، لا في الصفّ الخلفي."


هزّت رأسها موافقة، ومن هنا بدأت رحلة التغيير.

قلب سمير طريقة تدريس الرياضيات؛

لم يعد يكتب القوانين على اللوح فقط، بل جعل الطلاب يصنعونها بأنفسهم من خلال التجارب والألعاب التعليمية.

وكان يقول دائمًا:

"أنتم لستم متلقّين… أنتم شركاء في المعرفة."

ولأول مرة شعر الطلاب أن الدرس ملكهم، فتغيّر سلوكهم، وانطفأت الفجوة بينهم وبين الرياضيات. 

كانت مريم تسير في ممرات المدرسة كل يوم، ممسكة دفترًا صغيرًا تدون فيه ملاحظاتها:

نافذة مكسورة؟ تُصلَح.

صف يحتاج أدوات؟ تُوفَّر.

درس بحاجة للتطوير؟ تُقترَح له ورشة.

لم تكن ترى في المدرسة مشكلة… بل فرصة للتحسين.

وكان سمير أول من حضر الدورات التدريبية، ثم قدّم ما تعلمه لزملائه في اجتماعات أسبوعية تحت عنوان:

"نطوّر… لننقذ الطالب من الملل."

لم تعد الاجتماعات مجرد أوامر تُلقى؛

أصبح كل معلم يشارك برأيه، وكل طالب يملك صندوقًا خاصًا للاقتراحات، وكل ولي أمر يُدعى لورشة عمل تحت شعار:

"شريك في التربية… لا زائرًا للعلامات."

كبر الانتماء… وزاد العطاء.

وفي نهاية كل شهر، كانت المديرة تنشر تقريرًا واضحًا:
ما الذي تغيّر؟
ما نقاط الضعف؟
من يحتاج دعمًا؟
وما الخطة القادمة؟

لم يعد أحد يخشاها، فالمحاسبة كانت بهدف التطوير… لا العقاب.

لم تكن تجلس في مكتبها إلا قليلًا؛
تحضر حصص المعلمين، تشارك الأطفال اللعب، وتساعد الطاقم في تنظيم الفعاليات.

وكان سمير يقول عنها:
"هذه ليست مديرة… هذه قائد يمكن أن تُبنى مدرسة على خطاها."
لم يكن قرار يُتخذ دون دراسة.
نسب الغياب، مستوى التحصيل، رضا الأهالي، مخرجات الامتحانات… كل شيء يُحلّل.
وأصبحت المدرسة تعمل بعقل علمي، لا بالعشوائية المعتادة.

اجتمع أولياء الأمور في الساحة، والمفاجأة:
معظم الطلاب ارتفعت نتائجهم، وتغيّرت شخصياتهم، وازدادت ثقتهم بأنفسهم.

وقف سمير أمام الحضور وقال كلمته التي بقيت محفورة في ذاكرة المدرسة:

"الجودة ليست جدارًا نرفع طلاءه… بل قلوبًا نعيد بناءها."

ثم أضاف:
"عندما نضع الطالب في المقدمة، وننوي العمل بصدق. 
فإن الله يضع النجاح في طريقنا."

وبتلك الروح…
تحولت مدرسة الريح الشرقية من مكان مهمل إلى نموذج يُحتذى به.
توثيق : وفاء بدارنة 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق