قصص قصيرة بعنوان: الرحالة
الفصل السادس: (أرضنا هي أمّنا)
النادي الملكي للأدب والسلام
قصص قصيرة بعنوان: الرحالة
الفصل السادس: (أرضنا هي أمّنا)
بقلم الكاتب المتألق : ياسر إبراهيم الفحل
قصص قصيرة بعنوان: الرحالة
الفصل السادس: (أرضنا هي أمّنا)
بقلم/ ياسر إبراهيم الفحل
بعدما وصل الركب المبارك إلى الصحراء، كانت الرمال تمتد بلا نهاية، كأنها بحرٌ صامت ينتظر من يوقظه. حملوا معهم مشروع الأمل، ذلك الحلم الكبير بأن تتحوّل الأرض القاسية العطشى إلى بساتين خضراء، تعانق السماء وتعيد للوطن وجهه الباسم.
لم يأتوا بصفقةٍ تجارية، ولا بشركةٍ تبحث عن ربحٍ سريع، بل جاءوا بروح العطاء، مردّدين في قلوبهم:
ليست أرضكِ يا بلادي سلعة، بل هي أمّنا، ومن لا يحفظ أمَّه لا يعرف معنى الحياة.
وقف الشباب في صفوفٍ متراصّة، عرقهم يسيل تحت شمسٍ لافحة، وابتسامتهم لا تفارق وجوههم. حملوا المعاول والآلات، وبدأوا يغرسون بذور الحلم في باطن الأرض. كل ضربة فأس كانت كأنها نبضة في قلب الوطن، وكل قطرة عرق تنزل على التراب كانت كالمطر يوقظ بذورًا نائمة.
كان بينهم شيخٌ عجوز، وقف يتأمل المشهد بعينين دامعتين وقال:
ــ يا أولادي… هذه الأرض قاسية لأنها تختبركم، فإذا أخلصتم لها ستُفتح لكم كأمٍّ تحتضن أبناءها.
فأجابه شاب بملامح سمراء ويدٍ مشقّقة من العمل:
ــ لن نخونها يا عمّي… فالأرض أمّنا، وإن عطشت نسقيها من دمائنا قبل عرقنا.
ارتفعت الهتافات بين الركب، واختلطت أصواتهم بصوت الريح، كأن الصحراء نفسها بدأت تصغي. كانوا يعلمون أن الطريق طويل، وأن الأرض لن تستسلم بسهولة، لكنهم حملوا إيمانًا لا يهتز، وإرادةً لا تنكسر.
ومع أوّل نبتةٍ خضراء شقّت الرمال، علت صيحة فرحٍ مدوّية، فابتسمت الأرض لهم، كأنها تُقرّ بصدق عهدهم.
هوى عاصم الرحالة على الأرض، وألصق جبينه بذرات ترابها، يقبّلها بحبّ العاشق لأمّه. وبين يديه خرجت النبتة الخضراء من باطن الرمال، كأنها بشارة حياة بعد طول صبر. ارتعشت أنفاسه وهو يردّد بصوتٍ متهدّج:
ــ ها قد استجابت أمّنا، وردّت علينا بعطائها.
انفجر الجمع من حوله بالهتاف، وامتزجت دموعهم بالابتسامات. لقد كانت فرحة النجاح بعد شقاءٍ متواصل، وعرقٍ سال أيامًا وليالي بلا توقّف. ها هي الأرض تكافئهم على إخلاصهم، تمنحهم الوسام الحقيقي: النبات الأخضر، سنابل الخير، ثمرات العرق.
جثا الجميع إلى الأرض مع عاصم، يسجدون شكرًا كأنهم يحتضنون أمّهم الحنون، تلك التي صبرت عليهم ثم فاضت بعطائها، لتقول لهم:
من يصدق معي… لن أخذله أبدًا.
وهكذا ارتفعت في الصحراء صيحة الحياة، معلنةً أن الأرض ليست رمالًا جرداء… بل أمّ حيّة، تحفظ عهد أبنائها الأوفياء.
فهي أرضُنا… وهي أمُّنا.
بقلم : ياسر إبراهيم الفحل
توثيق: وفاء بدارنة


ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق