*** أنا المغفل. ***
النادي الملكي للأدب والسلام
*** أنا المغفل. ***
بقلم الشاعر المتألق: حمدي عبد العليم
*** أنا المغفل. ***
أقول: أنا مغفل،
عشت بلا توقّف
ستين سنة،
وأما الآن،
أعترف هنا فوق
مؤخرات الحكايات،
وأكتب اعترافي!
أنا آخر سليلٍ
للمغفلين من الأسلاف.
وأعترف أمام الناس:
كنتُ مثلكم حيًّا أسعى،
لكن في المفارقة، كنت
ذا نفسٍ ميتةٍ، بكل ما فيها
من الرأس حتى الأطراف.
وأعترف:
لا خلاف لي مع الوقت،
فقد اكتسبته ثم خسرته
على مائدة القمار،
لأنني كنتُ حمارًا
لا أجيد اللعب مع الكبار.
والوقت بريء، أنا الذي
ضيّعته حينما كنت
أصرف انفلات سنواتي،
وأغتال أوقات حياتي
وألبسها كفنَ هباءٍ
ثقيلِ النسيج، لا شفاف.
وكنتُ أزيّن جنازات
ذكرياتي، وأضع حول
قبورها الصبّار، ثم أكتب
كلمة نعي: أعاتب الوقت،
لماذا لا تنتظرني؟
بمرورك السريع سرقتني،
وقد كنتُ أنوي الإصلاح
في شأنك وشأني،
وكان لا يسمعني،
ولا يردّ عليّ، ولا يرتدّ لي.
فأتركه لمصيره، وأذهب
بلا نصيحة مرةً أخرى
لبحور النساء، فتخدعني
الأنثى الملكة… بعدما؟
أهزّ داخل جذعها الأصداف.
وهكذا، حتى انتهى الأمر.
والآن، لا غد يأتي ليُرجِع
لي ما ضيّعته من العمر.
ويقول لي الأطباء:
لم يدرسنا الطبّ علومًا
لعلاج المصابين بمتلازمة
الغفلة أو بمتلازمة الغباء.
فلا تتوسّل إلينا… لكن
ربما ندمك على ضياع
عمرك بهراء، فيه الإنصاف.
فمن يضيّع هبةَ الله هكذا
أجحف نفسه، وساء الأجحاف.
بقلم : حمدي عبد الحليم
✍️ الدراسة النقدية
أولًا: البنية والأسلوب
النص ينتمي إلى الشعر الحر أو "قصيدة النثر"
و الاصح هو نص نثري بإمتياز وحرفية ، ويتميز بالتحرر من الوزن والقافية، مع الاحتفاظ بإيقاع داخلي قوامه التكرار، والصور المركبة، والتوتر الشعوري العميق. الشاعر لا يكتفي بالسرد، بل يعيد تفكيك ذاته في شكل اعتراف داخلي علني، يُقارب التوبة، ولكنه أكثر قربًا للمرثية الذاتية.
ثانيًا: الثيمة الأساسية
الموضوع المحوري هو الندم الوجودي، حيث يصور الشاعر نفسه كضحية الغفلة، ويعترف بتقاعسه في اقتناص لحظات الحياة، واستسلامه لمباهج عابرة، وغرائز مموهة.
الثيمات الفرعية:
الزمن: الوقت لا يعاديه، بل هو من أضاعه.
الحب والمرأة: يتكرر وصف المرأة كـ"أنثى ملكة" خدعته.
الطب والعقل: مفارقة ساخرة حيث يعجز الطب عن علاج الغفلة، مما يضفي نكهة وجودية عبثية.
الموت الرمزي: الذات ميتة حتى في الحياة، والأمل في غدٍ أفضل مستحيل.
ثالثًا: اللغة والصور
اللغة مباشرة أحيانًا، رمزية أحيانًا أخرى، وتتسم بالتكثيف والجرأة، مما يضفي صدقًا على الصوت الشعري. الصور التي يستعملها مأخوذة من:
المقابر: (جنازات، قبور، كفن، نعي).
القمار: كمجاز للحياة العابثة.
المرأة: حضورها مركزي، لكنها تمثل الخديعة أكثر من الحنان.
الطب: استعارة لخذلان العقل والعلم أمام أزمة الروح.
رابعًا: الأسلوب النقدي والنفسي
يحمل النص طابعًا اعترافيًا شبيهًا بأعمال كتّاب مثل أنطونيو بورخيس أو خليل حاوي، وهو يعكس أزمة وجودية تقارب العدمية والبحث عن الخلاص في اعتراف متأخر، لكنه لا يخلو من الوعي والنقد الذاتي المرير.
---
⭐ تقييم عام
النضج الفني: عالٍ من حيث التجربة والصدق العاطفي.
بالتوفيق للشاعر / حمدي عبد العليم
توثيق: وفاء بدارنة


ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق