(كَرَمٌ مُلَوَّثٌ)
النادي الملكي للأدب والسلام
(كَرَمٌ مُلَوَّثٌ)
بقلم الكاتب المتألق: عمر أحمد العلوش
(كَرَمٌ مُلَوَّثٌ)
المعروف لا يكون معروفًا إلا إذا ظل خفيًّا، يضيء من الداخل ولا يتفاخر به صاحبه. أما إذا أُذيع بين الناس، أو وُضع على رقاب العباد قيدًا للتذكير، فقد تحول من فعل كريم إلى سهم جارح يطعن الكرامة. إن الذي يُذكر بفعله إنما يُسقطه من مقام الطهر إلى درك المساومة، فيغدو العطاء عنده طعنة، لا خُلُقًا.
لهذا قالوا: (وإن امرؤٌ أسدى إليّ صنيعة وذكرنيها.. للئيم)، لأن اللؤم كله أن يتحول الكرم إلى أداة إذلال، وأن تجعل من المعروف جرحًا مفتوحًا في ذاكرة من نلت شرف الإحسان إليه. الكريم يعطي ثم ينسى، واللئيم يعطي ثم لا ينسى، بل يظل يلوح بما فعل، كأنما اشترى حياة الآخرين.
وأشد مرارة أن يتفاخر بعضهم قائلين: "لقد فعلت بفلان كذا، وأنقذت فلانًا من كذا"، ويشيعون ذلك بين الناس وكأنهم يتحدثون عن غنيمة. هنا تخرج الصنيعة من معناها الشريف لتدخل في باب الرياء. وأجمل عقوبة لهؤلاء أن يُقابل تذكيرهم بالإنكار، ليذوقوا من مرارة ما زرعوا. وقد قال الإمام الشعراوي رحمه الله: "إن كنت تذكر ما صنعت مع فلان وفلان، فمن العدل أن ينكروه عليك، لأنك لم تعمل لله، بل عملت لذاتك فاستحقيت الإنكار".
وأقتبس ما قاله حرفيًا:
"تجد كثيرًا من الناس يقول: أنا كم صنعت بفلان وفلان وفلان الجميل، ثم خرجوا عليَّ فأنكروا. مادمت أنت فاكر أنك عملت، فمن العدالة من الله أن ينكروا، لأنك ما عاملت الله فأنت تستأهل الإنكار
أما الأخطر من ذلك، فهؤلاء الذين يدعون زورًا أنهم أسدوا معروفًا إلى غيرهم وهم كاذبون. أولئك أحط الناس وأدناهم منزلة، لا يملكون من المروءة ذرة، ولا من الأخلاق نصيبًا. هم حثالة، لا يُردّ إليهم، ولا يُلتفت إلى دعواهم.
إن جوهر العطاء أن يبقى سراً. وإن أبهى الأيادي هي تلك التي تمتد صامتة، تمسح وجعًا، أو تغيث محتاجًا، ثم تنسحب في خفاء تام، كأنها لم تكن. ذلك هو الشرف، وتلك هي المروءة، وما عداها ليس إلا عبثًا ملوثًا بالمنّ، لا يليق بالكرام.
✍️ بقلمي: عمر أحمد العلوش
توثيق: وفاء بدارنة


ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق