( مواسم الرحيل )
النادي الملكي للأدب والسلام
( مواسم الرحيل )
بقلم الشاعر المتألق : جاسم الطائي
( مواسم الرحيل )
يا راحلاً وشبابَ العمرِ ما وَرَدا
فيهِ احتدامُ مشيبٍ ثائرٍ و رَدى
يقفو وقبضتهُ الجمراتُ ساكنةً
بعضَ الخيالٍ فلا برقاً ولا رَعَدا
ويقذف الدربَ ما شاءت خطاهُ رمى
يمضي بخيبة غيبٍ نادماً أبدا
خطىً جناحاهُ من ريشٍ ومن زغبٍ
إثّاقلَت مثلَ بحرٍ مثقَلٍ زبدا
مغمَّسٌ بدماءِ اليأسِ أنمُلةً
ويرسمُ الجرحَ جرحاً نازفاً أبدا
لألفِ جرحٍ ترى في الكيِّ بلسمةً
وذي جراح النوى تبقى كوشمِ مِدى
تلقاهُ يمضي وعينُ الغيبِ ترقبُهُ
وكم قناعٍ ويُخفي خلفَهُ كَمِدا
فيغلقُ العينَ مستاءً لما نَظرَت
تغازلُ الروحَ بدراً راحَ مُنفَرِدا
فإنْ تسامى على جرحٍ يلمُّ بهِ
فمدمعُ النبضِ يذكي الحزنَ مُتَّقِدا
صحائفُ الغيبِ تبدي كل نائبةٍ
ألقَت حبائِلَها قد أُثقِلَت عُقَدا
فصارَ منيَ جلباباً يُلَملِمُني
وكان مني رفيقاً ما شدوتُ شدا
حتى بقينا لعمق الشمسِ وجهتُنا
فخادَعَتنا ولم ترحَمْ بنا أحدا
ونفخةُ الصّورِ ما زالَت تُخالِجُنا
صوتاً يزلزلُ في أعماقِنا وصدى
قيظٌ هو العمرُ والأنفاسُ لاهبةٌ
ومحنةٌ أورِثَت عَن أمِّها الجَلَدا
إغرسْ خُطاكَ ببَطنِ الحوتِ منكفِئاً
بحزنِهِ لا تَدُمْ أو تأتملْ مدَدا
لئنْ كَلفتَ بصحبٍ كنتَ أخلصَهم
كزارعٍ بورَ أرضٍ أينما وَجَدا
والنفسُ للنفس ضدُّ في تآلفها
حتى تذلَّلَ كم نفساً تمدُّ يدا؟
فمنجلُ الحصدِ لا يبقي لنابتةٍ
لتستطيبَ تمامَ العيشِ ما ابتعدا
وما تبَقّى من الدنيا سوى دِمَنٍ
أرى فؤادي على أطلالِها شَهِدا
أرى فؤادي يناجي كل تذكرةٍ
تمر كالطيفِ يقضي الليلَ منفردا
فإن غَفوتُ على حُلمٍ أتوقُ له
ولامني الوردُ ما هامَستُه حَسَدا
وإن أفاضَ يراعي نفحَ سائلهِ
فلي سبيلٌ أراهُ مُلهِماً سدَدا
وليس يمنع سيلاً جارفاً عرِماً
سطرٌ ولا صفحةٌ بيضاءُ حيث بدا
فالعمرُ يمتدُّ ما شاء الإله لهُ
إنّي أنا القدرُ المكتوبُ متئدا
بقلم : جاسم الطائي
توثيق : وفاء بدارنة


ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق