*** رحيلٌ. ***
النادي الملكي للأدب والسلام
*** رحيلٌ. ***
يقلم الكاتب المتألق : عنر أحمد العلوش
*** رحيلٌ. ***
من خرج من حياتك قد يكون أخذ شيئًا منها، لكنّه قطعًا لم يُخلّف فراغًا، بل فتح نافذةً يتنفّس منها قلبك أخيرًا.
لا داعي للكره، ذلك لأنّ الكره يستنزف الجمال فيك. بعضهم صرفهم الله عنك، لا لأنّهم كانوا أشرارًا، بل لأنّك كنتَ الخير الذي لم يُحسنوا أن يُجاوروه.
كم مرّةً نورَ صدرك منحته لهم لتنير عتمتهم، وكم مرّةً زرعتَ في أرضٍ بورٍ، وسقيتَ جذورهم من وجدانك. أعطيتَ، وتنازلتَ، ثمّ حين تعبتَ للحظةٍ، تهاوت في ظهرك كلّ الطعنات دفعةً واحدةً.
ما كان ذلك لأنّك ضعيفٌ، بل لأنّك كنتَ أصدقَ منهم، أنقى من حساباتهم، أرحب من ضيقهم. بعضهم لم يعرف كيف يعيش في الضوء، فكان كلّ نقاءٍ فيك يُربك عتمتهم، وكلّ صمتٍ منك يفضح صخبهم، وكلّ وفاءٍ تُبديه يوقظ فيهم الندم الذي لم يجرؤوا على الاعتراف به.
وتمرّ الأيام، وتفهم فجأةً أنّ صرفهم عنك لم يكن خسارةً، بل نجاةً. لم يكن إهانةً، بل صونًا من الخدوش التي لا تُرى، ومن الخيبات التي تأتي على هيئة ألفِ ابتسامةٍ مزيفةٍ.
الله أخرجهم، وفتح لك بابًا ما كنتَ لتراه وأنت غارقٌ في المنح. أغلق بابًا، لا لأنّك لستَ أهلًا له، بل لأنّك أوسع من أن تُحبس في ضيقهم، وأنقى من أن تتورّط في حكاياتهم المُعلّبة.
لم يكونوا شياطين، ولم تكن ملاكًا، لكنّ القلوب لا تُقاس بالحياد بل بالصدق. وأنت كنتَ تصدق أكثر ممّا ينبغي.
فلا تُغيّر قلبك، ولا تُدنّس نقاءك بدعوى النضج، ولا تخلع طيبتك كما يخلعون أقنعتهم. فقط اشكر الله أنّه أنقذك منهم، دون أن ترفع صوتك، دون أن تثأر، دون أن تُصبح نسخةً مكسورةً منهم.
أنت لا تخسر حين يرحلون، بل تنجو. وفي النجاة بعضُ الرحمة، وبعضُ الفضل.
وكم مرّةً دعوتَ:
اللهمّ اهدِ لي قلبي، واحفظه، من كلّ من لا يحفظه.
✍️ عمر أحمد العلوش
توثيق : وفاء بدارنة


ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق