جواد من مدن النور والغيب
النادي ااملكي للادب والسلام
جواد من مدن النور والغيب
بقلم الشاعرة المتألقة : جنان الجوهري
جواد من مدن النور والغيب
بقلم: حنان الجوهري
حين بلغ الوجع حدّه الأخير،
حيث لم يعد للبكاء صوت،
ولا للصبر معنى،
تكوّن في قلبي فراغ كان أوسع من الاحتمال.
أقبل عليّ جوادٌ،
بياضه كنسيج الغيب،
حين يتجلّى بلا حجاب.
اقترب… غرقت في السكينة،
من جمال ما رأيت.
وما أن وضعت يدي على عنقه،
حتى انشقّ الوجع عن جناحين عظيمين،
امتدّا من الجواد بمد الفضاء،
وانفتح الفضاء كسؤالٍ عظيم،
حيث تسقط الأسماء،
وتبقى الحقائق مجرّدة من كل زيف.
طار بي بعيدًا إلى مدن لم تعرفها خرائط البشر،
مدن شفافة كأنها خلقت من حبات الندى،
أو من حبات المطر الأول الذي لم تمسّه
غيوم الندم.
مدن بنيانها من المعرفة،
شفافيتها من اليقين،
حين يصفو من الشك أهلها برقة
قلوب الطير،
التي لا تعرف المقاومة.
لا يجرحون الهواء إذا مرّوا،
لا يتكلمون، فالكلام عندهم ثِقَلٌ
لا يُحتمل، يتواصلون فقط بالنور.
ومن فهم النور استغنى عن الحروف.
الأنهار هناك يجري فيها الجمال،
الشوارع تمتد كالفكرة الطيبة
والخواطر الرقيقة،
وشوارعهم في النهاية تؤدي إلى الذات.
أزهارهم تنبت كالطيف الجميل،
لا تجرؤ على قطفها،
ولا تجرؤ أن تلمسها،
لأنها خلقت فقط لكي تُفهم.
وقفت في ساحة بلا حدود،
سمعت صوتًا من داخل الروح:
"هذا ما تبحثين عنه منذ بدأ السؤال فيكِ."
سألت الجواد: "أهذه جنّة؟"
ابتسم دون أن ينطق.
أدركت هنا أن اللغة أدنى من المعنى،
أدنى كثيرًا… كثيرًا جدًا.
سمعت الصوت من داخل روحي
مرة أخرى، كأنه آتٍ من مقامٍ عالٍ
"إن كل ما مررتِ به منذ بداية الرحلة لم يكن إلا حال، إنها ليست أماكن.
ومن عرف حاله استغنى عن الطريق."
تعجبت وسألته: "لماذا لم أبق هنا إذن؟"
أجابني: "لأن من عرف المعنى يحمله،
المعنى لا ينبغي أن يُسكن."
ثم أُعيدت إليّ أثقالي وجراحي،
ولكن شيئًا ما لم يعد إليّ…
الخوف، فقد انكسر إلى الأبد.
أما الوجع، فقد تحوّل إلى معلّم كبير.
تعلّمت من الرحلة أننا حين نهرب
من الوجع لا نشفى،
وأن الوجع الصادق يحمل
على جناحيه رسالة،
لا يراها إلا من سلّم قلبه للنور.


ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق