الاثنين، 1 سبتمبر 2025


🩸 شَرَايِينٌ مِنْ لَهَبٍ 🔥

النادي الملكي للأدب والسلام 

🩸 شَرَايِينٌ مِنْ لَهَبٍ 🔥

بقلم الشاعر المتألق: عبد المجيد الأثوري 

🩸 شَرَايِينٌ مِنْ لَهَبٍ 🔥

بقلم: عبد المجيد الأثوري

أنا غَزَّةُ...

لَسْتُ مَدِينَةً تُرْسَمُ عَلَى خَرَائِطِ المُسْتَعْمِرِينَ،

بَلْ نَبْضٌ يَسْكُنُ فِي قَلْبِ كُلِّ مَنْ نَطَقَ اسْمَ شَهِيدٍ وَارْتَجَفَ.

أَنَا الرَّعْشَةُ فِي يَدِ مَنْ لَمَسَ تُرَابًا يَتَنَفَّسُ الدَّم،

وَالصَّرْخَةُ الَّتِي يَفْشَلُ أَرْشِيفُ الأُمَمِ فِي تَوْثِيقِهَا.

أنا غَزَّةُ...

بِنْتُ البَحْرِ الَّذِي يُدَرِّبُ المَوْجَ عَلَى دَرْسِ العِصْيَان،

وَأُمُّ الرِّيحِ الَّتِي تُرْضِعُ أَطْفَالَهَا غُبَارَ الغَضَبِ.

أَنَا الصَّخْرُ الَّذِي يَنْكُسُ السَّيْفُ رَأْسَهُ عِنْدَ قَدَمِي،

وَيَكْتُبُ التَّارِيخُ فِي حُضُورِي اعْتِرَافَهُ بِالخِذْلَانِ.

أنا غَزَّةُ...

لَا أُحْصِي قُبُورِي،

فَكُلُّ شِبْرٍ فِيَّ يُعْلِنُ اسْمًا يَتَوَهَّجُ،

وَكُلُّ جِدَارٍ يُعَلِّقُ ذَاكِرَةً مِنْ نَارٍ،

وَالْدَّمُ الَّذِي سَالَ فِي عُرُوقِي

تَحَوَّلَ إِلَى بُذُورٍ تَشُقُّ الأَرْضَ نَحْوَ مَعَارِكٍ لَا تُسَاوِمُ.

أنا غَزَّةُ...

أَعْلُو عَلَى جِرَاحِي كَمَا تَعْلُو نَجْمَةٌ عَمْيَاءُ فَوْقَ حَدِّ السِّكِّينِ،

أَرْفَعُ رَأْسِي فَوْقَ أَنْقَاضِي،

وَأَجْعَلُ مِنْ أَطْفَالِي رُسُلًا لِلرَّعْدِ،

وَمِنْ أَرَامِلِي نَوَافِذَ مَفْتُوحَةً عَلَى جَحِيمٍ لَا يُغْلَقُ.


إِذَا رَمَّدُوا سَنَابِلِي،

حَوَّلْتُ الرَّمَادَ إِلَى مَعْجَمٍ يُعَلِّمُ العَصَافِيرَ كَيْفَ تُغَنِّي،

وَإِذَا هَدَمُوا بُيُوتِي،

شَيَّدْتُ فِي السَّمَاءِ مَدَائِنَ مِنْ ضَوْءٍ لَا تُقْصَفُ.


هُمْ يُرِيدُونَ مَوْتِي بِصَمْتٍ،

وَلَكِنِّي أُسْمِعُ الكَوْكَبَ دَوِيَّ القَذَائِفِ،

وَأَجْعَلُ مِنْ أَسْمَائِي تَرَاتِيلَ تَسْرِي فِي الأَزِقَّةِ،

تُرَدَّدُ حَتَّى فِي نَوْمِ العَدُوِّ،

كَأَدْعِيَةٍ لَا تَعْرِفُ النِّسْيَانَ.


إِذَا دَخَلْتَ غَزَّةَ،

فَاعْلَمْ أَنَّكَ تَطَأُ مَدِينَةً

تَأْكُلُ نَارُهَا مَنْ يُشْعِلُهَا،

وَتُحَوِّلُ الغَازِيَ إِلَى ظِلٍّ بَاهِتٍ،

يُرْوَى لِلأَجْيَالِ كَحِكَايَةِ هَزِيمَةٍ لَا تُغْتَفَرُ.


لَا تَرْفَعُوا المَآتِمَ فَوْقِي،

فَالدَّمْعُ مَاءُ الغَرِيبِ الضَّائِعِ فِي صَحْرَاءِ النِّسْيَانِ،

أَمَّا أَنَا،

فَأَمُدُّ شَرَايِينِي جُسُورًا مِنْ لَهَبٍ،

تَعْبُرُ عَلَيْهَا خُطَى الأَحْفَادِ نَحْوَ وَطَنٍ يَتَنَفَّسُ،

وَأَجْعَلُ مِنْ أَحْزَانِي نَارًا

تُذِيبُ أَقْفَالَ الغَفْلَةِ عَنِ الوُجُودِ.

وَحِينَ أَنَامُ،

أَحْلُمُ بِطِفْلٍ يَرْسُمُ وَجْهِي عَلَى جِدَارٍ

 لَمْ يَبْقَ، وَيَكْتُبُ تَحْتَ صُورَتِي:

"هُنَا نَهَضَتْ غَزَّةُ مِنْ بَيْنِ الرُّكَامِ...

وَهُنَا سَتَبْقَى، شَجَرَةً لَا تُقْتَلَعُ."

بقلم : عبد المجيد الأثوري 

توثيق: وفاء بدارنة 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق