*** ذات مساء. ***
النادي الملكي للأدب والسلام
*** ذات مساء. ***
بقلم الشاعرة المتألقة : حنان الجوهري
*** ذات مساء. ***
---
كان الليل ممدودًا على الكون كحريرٍ أسود،
باردًا يلامس الأشياء بنعومة وصدق.
في ذلك السكون، تجمّعت النجوم حول القمر،
كأنهنّ بناتُ ضوءٍ عُدنَ إلى أبيهنّ بعد غيابٍ طويل.
كان القمر ينصت، وهو يعلم أن الحكمة
تُفهم من ارتعاشة الصوت.
تكلّمت أول نجمة، وهي تُخفي ضعفها
وراء ابتسامةٍ ثابتة:
أضيء كي لا يسألني أحد عمّا يؤلمني،
النور ستري. والنور سلاحي.
كان في بريقها قوّة،
لكنها تحمل ألمًا لا يراه
إلا من يعرف كيف يقرأ الصمت.
وجاءت نجمة أخرى، كان لمعانها أدفأ،
كان ضوؤها ينبعث من قلب
لا يزال يعرف اللين بعد كل ما مرّ بها:
وأنا أضيء كي لا أموت من الداخل.
كان كلامها كقطرة عسلٍ مُرّ،
تداوي وتلسع في اللحظة ذاتها.
ثم اقتربت نجمة صغيرة،
نورها ليس قويًا،
لكنه رقيق، ناعم، كأنه كفّ أمٍّ حانية.
قالت بصوتٍ هادئ يحرّك القلب:
أضواؤنا ترتبط بمن نحب،
فنحن نسطع حين نشعر
أن أحدًا في الأرض ينتظر لمعاننا.
وعند طرف السماء،
اختبأت نجمة خجولة، مكسورة الحافة،
كانت ترتجف…
حاولت أن تتكلم، فتردّد صوتها:
أما أنا… أخاف من نوري،
كلما حاولت أن أُظهر بريقي
تذكّرت ما انطفأ من عمري.
توقّفت السماء لحظة،
كأنها تسمع نبضة
على وشك أن تنكسر.
القمر يومها لم يقل كلمة،
لكنه أمال ضوءه عليها ليطمئنها،
وكأنه يقول لها:
أخفقي وميضك، اختبئي، كوني كما أنتِ،
فالضوء يُقاس بالصدق، لا بالقوّة.
وفي عمقٍ بعيد،
تكلّمت نجمة عجوز، حكيمة،
نورها مائلٌ إلى الذهب العتيق:
يا بنات الفضاء،
نحن لسنا متشابهات، ولن نكون،
فللنجوم قصصٌ تختلف في الإشراق؛
فسطوعُ البعض جرح،
وسطوعُ البعض ذكاء،
وسطوعُ البعض حنان،
وحتى الخافتات بيننا
يحملن نورًا لا يقلّ قيمة.
ارتجف الفضاء كلّه،
رجفة توقظ القلب دون ألم.
وعندما سكتت الأصوات كلها،
شعر كل ضوء أنه رأى نفسه في الآخر،
وشعر أن العالم يطلب منه
أن يكون صادقًا جدًا،
ليس بالضرورة أن يكون قويًا،
ولا أن يكون مشرقًا.
مضت النجوم في ليلها
أعمق وأصدق،
وتعلّمت كل واحدة
كيف يلمع القلب
حين يفهم
أنه ليس وحده في الكون.
بقلم: حنان الجوهري
توثيق : وفاء بدارنة


ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق