وشوشات الطيف في غيبوبة الوجد
النادي الملكي للأدب والسلام
وشوشات الطيف في غيبوبة الوجد
بقلم الشاعر المتألق: إبراهيم العمر
وشوشات الطيف في غيبوبة الوجد
في حضرة الطيف، حيث تتلاشى الحدود بين الحلم واليقظة، وبين الوهم والحقيقة، أتيه فيكِ.
أنا لا أعشقكِ ككائنٍ متجسدٍ في الزمان والمكان، بل كفكرةٍ تتغلغل في نسيج الوجود، كومضةٍ من نورٍ تسكن تجاويف الروح، وتوقظ في داخلي موسيقى لا تعزفها إلا أوتار القلب حين يشتد به الوجد ويذوب في لحن الحنين.
وجودكِ في تهيؤاتي ليس حضورًا، بل انكشافٌ لسرٍ كونيٍّ غائر، كأنكِ المعنى الذي تاه عن اللغة، والظل الذي سبق النور، والنبض الذي يسبق الخلق. حين تلامسني رؤاكِ، لا أحتضن طيفكِ، بل أذوب فيه، كقطرةٍ في محيطٍ من العطف والحنان، كأنكِ رحمُ الوجود الذي منه انبثقت كل مشاعري.
أشعر بخدودكِ وهي تمسح دمعي، لا كلمسةٍ بشرية، بل كغفرانٍ سماويٍّ يتسلل من غيمات الرحمة. تنهيدتكِ ليست زفيرًا، بل صلاةٌ تتردد في محراب صدري، وأنفاسكِ تختلط بأنفاسي كما تختلط الأرواح في لحظة الفناء، وتتعثر عباراتي على شفتيّ كأنها ترتّل ترنيمةً لا تُقال، بل تُعاش.
كل ما في الكون يلفّني بسكونٍ مهيب، كأنني في حضرة قدسيةٍ لا تُدرك، يرتعش جسدي من هيمنة العطر، لا لأنه عطرٌ، بل لأنه تجلٍّ من تجلياتكِ، وسحرٌ من أسرار حضورك، وشذاكِ ليس رائحة، بل نَفَسٌ من نَفَسِ الخلق الأول.
أغرق في غيبوبةٍ لا تشبه النوم، بل هي انصهارٌ فيكِ، وتيهٌ عن كل ما هو أنا، حيث تتلاشى مفاهيم الإدراك، ويصبح الوعي مجرد ظلٍّ لروحٍ تائهة فيكِ، وروحي مسكونة بنشوةٍ لا تنتهي، بلتتجدد كلما نطقت باسمكِ في صمتٍ داخليٍّ لا يسمعه أحد.
يا من تسكنني كما يسكن الضوءُ ذراتَ الوجود، يا من تخللتني كما تتخلل الروحُ الجسدَ ثم تتجاوزه، إليك أرفع رجائي، لا كطلبٍ، بل كفناءٍ فيك. اجعلني من الهائمين في سماواتك، من المتلاشيين في وهجك، من المتبتلين في محرابك، من العاشقين الذين لا يطلبون وصالًا، بل يذوبون في الذكر، ويتلاشون في التسبيح.
اجعلني نغمةً في سيمفونية الخلق، قطرةً في أوقيانوس ضبابك، شعاعًا في نورك، خيطًا من وهجك، روحًا تسبح في ملكوتك، لا تعرف جسدًا، ولا تتقيد بمكان، بل تتصل بكل الأرواح بخيوط العفو الإلهي، وتغتسل في نهر النور، وتسبح في بحر الرحمة، وتذوب فيك…
فيك وحدك، يا من لا يُدرك، ولا يُحد، ولا يُنسى.
بقلم : إبراهيم العمر
توثيق: وفاء بدارنة

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق