الثلاثاء، 9 سبتمبر 2025


***  كأس مسحور. ***

النادي الملكي للأدب والسلام 

*** كأس مسحور. ***

بقلم الشاعر المتألق: حمدي عبد العليم 

***  كأس مسحور. ***

ملأت كأسها باللبن المكرر، حسبما أرادت وكيفما أتت واشتهت،

وحذرتها من الظمأ، حتى الموت، إذا تبور حظها أو تجور.

وحذرتها: إذا أفرغت الكأس وكسرته، وتناثر فتاتا كالبلور،

فلا يمكن أن يضئ لها مرة أخرى باردها، فهذا اللبن ربما مسحور.

ولم تحذر ما نصحتها به،

لذلك هي الآن على بعد مسافة بعيدة جدًا لتصل إلى بئر الحليب،

وعلى بعد مسافة قريبة جدًا من آبارها الجافة المصابة منذ زمن بآفة التبوير والردم والضمور.

فكم قالت الجليلات في استغراب:

"ما لهذا اللبن المصفّى مذاقه حياة؟"

فمن ارتشف منه قسطًا مرة، تمنّى لو لم يمت،

بل وتقبل الموت فرحة إذا أمكن الحصول على مثله، لو تجده تحت قبو القبور.

وقد راق لك مذاقه،

فكيف كسرتِ كأسك وسكبتي الحليب منه، فراح مثل هباء منثور؟

لا تلومي إلا نفسك،

فمنحك الحظ رشفة من كأس عذب،

كانت تتمناها جميلة الجميلات،

ولو تشبه بجمالها بنات الحور،

ولكنك… وقعتي بالمحظور.

✒️ حمدي عبد العليم

««««««««««««««««««««««


 ("كأس مسحور" للشاعر حمدي عبد العليم) 

نص يحمل نَفَسًا صوفيًا رمزيًا مع طابعًا شعريًا حديثًا، وأستطيع أن أقدم لك قراءة أدبية مفصّلة على عدة مستويات:


---

 أولًا: البناء الفني


الموضوع المحوري: الكأس المملوءة باللبن المصفّى ليس مجرد مشروب، بل رمز للنعمة، النقاء، وربما الحب أو الفرصة النادرة في الحياة.


الثنائية المركزية:


الامتلاء مقابل الفراغ.


الحياة مقابل الموت.


النعمة/السحر مقابل الجفاف/التبوير.


القصيدة تقوم على التحذير من التفريط، ثم استدعاء الحسرة بعد الكسر والفقد.

 ثانيًا: اللغة والأسلوب


اللغة: سلسة، مباشرة في ظاهرها، لكنها محمّلة برمزية عميقة.

الصور البلاغية:

"الكأس كُسرت وتناثرت كالبلور" → صورة بصرية قوية ترمز لانكسار الفرص وضياعها.


"بئر الحليب" مقابل "آبارها الجافة المصابة بآفة التبوير" → صورة جدلية تؤكد التضاد بين العطاء والجدب.


"اللبن ربما مسحور" → هنا استعارة تجعل من اللبن رمزًا للقدر الاستثنائي أو الموهبة النادرة.


التكرار: كلمة "حذرتها" ترد أكثر من مرة لتوكيد أن التفريط لم يكن عن جهل بل عن تجاهل.


الموسيقى الداخلية: ليست عمودية مقفّاة تمامًا، لكنها تحافظ على جرس متوازن من خلال التوازي اللفظي والصوري.


 ثالثًا: البنية الرمزية


اللبن هنا يمكن أن يُقرأ بأكثر من تأويل:


1. رمز للعاطفة: الحب النقي الذي يُمنح مرة ولا يتكرر.


2. رمز للحياة/الفرصة: النعمة الكبرى التي قد تُفقد ولا تُعوّض.


3. رمز للمعرفة أو الحكمة: كما في الموروث الصوفي (اللبن رمز للفطرة).


الكأس رمز للوعاء البشري (النفس/القلب)، فإذا كُسر لا يعود كما كان.


 رابعًا: البعد النفسي والدرامي


النص ينهض على مشهد درامي: التحذير → الكسر → الندم → المفارقة.


المتكلم يضع نفسه في موقع الناصح العارف، بينما المخاطَبة تمثل الإنسان الذي لم يدرك قيمة ما مُنح له إلا بعد الفقد.


الحسرة واللوم تظهر في الختام: "لا تلومي إلا نفسك".

خامسًا: القيمة الجمالية


النص يجمع بين وضوح المعنى ورمزية الصورة، ما يجعله قريبًا من القارئ العادي وعميقًا للقارئ المتأمل.


فيه مسحة من الحكمة الشعرية التي تذكر بأمثال العرب وقصائد المتصوفة (كابن الفارض أو الحلاج).


ينتمي إلى شعر الحكمة الرمزي أكثر منه إلى الغزل أو الوصف.

و الخلاصة:

"كأس مسحور" نص شعري متماسك يعرض بأسلوب رمزي تجربة إنسانية خالدة: الفرصة التي لا تُقدَّر إلا بعد فقدانها. جمال النص في بساطته الظاهرية وعمقه الرمزي، وفيه توظيف ناجح للصورة البلاغية والتحذير الدرامي، ما يجعله أقرب إلى القصائد التأملية ذات الطابع الوعظي – لكن بصوت شعري لا مباشر خطابي.


قامت بتقديم القراءة الادبية

الناقدة د / يمينة القحطاني 

---

خالص الامنيات بالتوفيق لصديقنا

شاعر النون / حمدي عبد العليم

توثيق: وفاء بدارنة 



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق