الثلاثاء، 20 مايو 2025


( الحج رحلة إلى الروح)

النادي الملكي للأدب والسلام 

( الحج رحلة إلى الروح)

بقلم الشاعر المتألق: عبد الحليم الشنودى 

( الحج رحلة إلى الروح)

-----------------------------

*  تسعى الروح جاهدة لتخلوَ بالنفس

فلا تجد فرصة لذلك حيث تظل النفس 

على مدار الساعة منشغلة بآلامها وآمالها

تلبية لمتطلبات البدن أو مسبرة لإلحاحات الغرائز أو خاضعة لتوجيهات العقل

*  إلى أن تأتيها فرصة الخلوة الحقيقية بالنفس

بعيدا عن كل المؤثرات العقلية أو البدنية

التي تتنحى جانبا بمجرد عقد النية عند 

القاصدين المدركين طبيعة الرحلة وندرة

الفرصة  التي قد لا تتكرر

*  وهذه الفرصة التي أتيح بها للروح أن 

يخلو بالنفس عن طريق المناشط  التي

يؤديها البدن فيما يعرف بمناسك الحج

تعد آخر اختبار للروح لمد نوره وإجلاء برهانه وتحقيق اتصاله بالأصل  المُسّوي

له( ويسألونك عن الروح قل الروح من

 أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا)

*  ولن تنعم الروح بمثل هذه الخلوة التي واتتها بعد رحلة طويلة من الإهمال

المتعمد أو غير المتعمد إلا إذا وضعت النفس أوزارها وتناست بدنها وهيأت

للخلوة ذاتها برغبة خالصة وعزيمة

صادقة - وبغير هذا لن تكون الخلوة خلوة

لأن أصداء  شواغل النفس وعوالق البدن

ستكون كالضوضاء التي تتسهل عبر الأبواب

المفتحة والنوافذ  غير المحكمة

( فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج)

* أما إذا تحققت للروح خلوة حقيقية بالنفس فسيرتد الزمان إلى يومه الأول

ويعيش المكان عند نشأته وينطق المنسك بما كان منه وفيه وكأنما أرواح الزمان والمكان والمنسك جنّدت للروح فحلقت

 بها ظلت تحلق  وطافت بها حيث ظلت تطوف - ومن هنا تأتي الولادة الجديدة

وهي الولادة على الفطرة الأصلية( من

حج فلم يرفث ولم يفسق رجع من حجه

 كيوم ولدته أمه )

*  وليس أدل على ذلك من أن الله ينسيك 

أقوى فاتنيك في هذه الحياة  ألا وهما   ( المال والولد) ولا يشغلك إلا بذنبك الذي

أتيت وبهمك الذي حملت 

* ولو سألت نفسك ماذا يضيف للروح طواف حول بيت أو وقوف فوق جبل

أو قذف على شاخص أوسعي بين حدين

أو تقبيل لحجر أو نحر لهدي ربما عادت لحومه إلى ذات ناحريه - لعجزت نفسك 

 عن الإجابة خاصة وأن الله يقول ( ولكل  أمة جعلنا منسكا هم ناسكوه) هم ملتزمين به - ويقول( لن ينال اللهَ لحومها ولا دماؤها) ولكن( يناله التقوى منكم)

* وعليه فإني كل هذه المشاعر مناشط بدنية تعجز العقل عن فهم المغزى منها

فلا محاجة فيها

وتكلف النفس جهدا وعناء ومجاهدة 

  وصبرا - وترهق البدن وقوفا وقعودا   وهرولة وسيرا  - بما يمثل إلى درجات

 المشقة والعناء

* والإجابة الوحيدة المريحة للعقل والمطمئنة للنفس أن كل هذه المناسك المقيدة بالمكان والزمان ماهي إلا ترويض

للبدن وتأهيل للنفس على إخلاء الأنا من

من كل ما يعوق الروح عن خلوة حقيقية بالنفس لا تستطيع معها النفس إنكار ما

أسرّته أو الدفاع عما أحدثته

ولا تجد أمامها سوى الدينونة الكاملة

والتسليم المطلق بأنها لا تستحق سترا 

طال في ذنب ولا عفوا يؤمل من غير

 توبة - إلا إذا اثبتت الروح أنها أزهرت

 وأن لها ثمار  سوف تبيت دانية القطوف

*  لهذا كانت الرحلة المباركة بمثابة رحلة إلى الروح التي لا تخرج من مكانها إلا

هناك  حيث اليوم الأول والمكان الأوحد

والرسول الخاتم - فهنيئا لمن آمنت روحه

 أن تسافر إلى هناك

-------------------------------

( عبد الحليم الشنودي)

توثيق: وفاء بدارنة 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق