*** نبيُّ الحروفِ. ***
النادي الملكي للأدب والسلام
*** نبيُّ الحروفِ. ***
بقلم الشاعر المتألق: رفعت رضا
*** نبيُّ الحروفِ. ***
بقلم الشاعر رفعت رضا
*** نبيُّ الحروفِ. ***
قد بكيتُ
ولم يسمعْ أحدٌ
فهل أُعاني وحيدًا
بين أركان الجموعِ؟
فقد علا صراخي
ولم يحضرْ أحدٌ
ولم أقدرْ على الشكوى
فمَن أشتكي؟ لا أحد
والدمعُ سيلٌ منهمرٌ
وما عرفتُ طَعمَ الراحةِ
سِوى بالجهلِ
فما الصراخُ ليُداوي
جِراحًا كنتُ أنا صاحبَها
فلا طبيبًا يقوى على النظرِ
أطوفُ وأُشعلُ نارَ الفؤادِ
فكم سهمًا أحتاجُ للهلاكِ!
قد ابتُليتُ، وعُرِفَ العِلَلُ
وما عُرِفَ التِرياقُ
فقد كان النحيبُ
يملأ أركانَ الوادي
وما كان هناكَ سوى
الثرى ليبتلعَ طوفاني
قد كنتُ الثأرَ على العاداتِ
أُطالِبُ بطمسِ الماضي
فحُكمَ عليَّ أن أكونَ أسيرَ الذكرياتِ
أكتبُ الأبياتَ بالوزنِ والقوافي
ولا أحدٌ يقرأُ أو يُبالي
فها الماضي كأنّهُ عقابي
والدهرُ سَجّاني
والزمانُ غِلالٌ من حديدٍ
تُقيِّدُ أذرعي وساقيَّ
فأنا الشِعرُ يا ناس
شاعرُ الخمرِ يُنادي
هل لي أمامٌ يُبارز؟
فها الحُسامُ في الغِمدِ
واللسانُ يعرفُ المضاربَ
فأنا من هجوتُ الناسَ
ولم يقدرْ أحدٌ على هجائي
فكم منكم يعرفُ علمَ الأنسابِ؟
وكم منكم شجاعٌ
ما زال سيفُه بتّارًا
ليمنعَ الساقي من سقياني؟
فما أشهى من نبيذٍ
وما أفتنَ من فتاةٍ عربيةٍ
تتدلّى خُصَلُ شعرِها من الثيابِ
ذاتِ العيونِ البنيةِ
كدُروبِ الصحراءِ
وشفاهٍ أشهى من الرمّانِ
فواللهِ ما علّمتني إلا الأشعارَ
وما سكِرتُ إلا بين الأمواجِ
لأعرُجَ للعِنانِ وأتركَ لكم الأبراجَ
لتسكُنوا بها وتُمدحوا التطوّراتِ
فما كان الجمالُ إلا بالصحراءِ
أو شاطئِ البحارِ
بيتِ الشعرِ والشعراءِ
ليتعلّموا بها الكلامَ
ويَصبُوا الجرأةَ بكؤوسِ الصبيانِ
فما رَجاحةُ العقلِ وقد تطاولوا بالبُنيانِ
ليُخفوا جمالَ السماءِ
ويأسروا النجومَ بعيدًا عن الأنظارِ
فدعِ البُنيانَ للباني
ودعِ المساجدَ للعِبادي
ودعِ الجمالَ للشعراءِ
فقد سُلبتِ الروحُ
فلِمَ يُسلبُ الغزلُ من الأبياتِ؟
فباللهِ، اتركوا ساهرَنا يُناجي
ليشكو ويُفيضَ الدنيا بالأشعارِ
فقد زهِدنا الحَضَرَ والثقافاتِ
فلا تسلبوا منّا الجمالَ والخيامَ
لنترجّلَ بين الكلماتِ
ويَصبُو الكهلُ من الصبيانِ
حين يُناديني الجمالُ
فتردُّ الطبيعةُ بالألحانِ
وعطرُ الزهورِ يملأ الأركانِ
لينبعَ الفردوسُ في الأراضي
وتنبتَ الشتلاتُ على الركامِ
ونُجسِّدَ الذكرى بين الآفاقِ
لِنكتبَ، ويكونَ كتابُنا الرثاءَ
فدعوني أنحتُ من وجعي تماثيلاً
وأُلبِسُها ثيابَ الكبرياءِ
فما عاد في القلبِ متّسعٌ
لغيرِ القصيدِ والنداءِ
قد صار الليلُ مؤنسي
وصار الحرفُ موقدي
أُسائلُ القمرَ عن وطنٍ
لم أجدْ فيهِ مرفأً ليدي
أنا الغريبُ على الأعتابِ
أحملُ أوتارَ الحنينِ
أعزفُ وجعَ الروحِ في صمتٍ
وأُخبّئُ خلفَ نبضي أنينِي
كم عبرتُ الصحارى
بحثًا عن صدى لصوتي
فما وجدتُ سوى
ريحٍ تعوي بذكرياتي
سأظلُّ أنشدُ رغمَ التعبِ
وأرسمُ للمعاني سبلاً
فالشعرُ ديني ومذهبي
وبه أُداوي الجرحَ إن تأصّلا
دعوا لي النارَ في قلبي
فهي دفئي في ليالي الشقاءِ
ودعوا الريحَ تهبُّ كما تشاء
علّها تُبعثرُ غبارَ الرجاءِ
أنا لم أُخلقْ للقيودِ
ولا أُجيدُ سوى الكتابةِ
فامنحوني صحراءً
وبحرًا… وموجةً هاربة
دعوني وحدي أُناجي
ظلَّ نخلةٍ أو رمالًا
ففي الوحدةِ حياةٌ
وفي الصمتِ حكاياتٌ وطوالا
فما الشاعرُ إلا نبيُّ الحروفِ
يحملُ على كتفِهِ الرؤيا
ينقشُ أوجاعَ العصورِ
ويُلبسُ الموتَ المعنى والهوى
فيا قارئَ الأبياتِ تمهَّلْ
فكلُّ بيتٍ فيه نَفَسي
وكلُّ قافيةٍ سكبتُ بها
ألفَ ليلةٍ من بؤسي
أترى الحرفَ لا يصرخُ؟
بل يئنُّ إذا ما كُتم
هو كالجُرحِ لا يُشفى
إلا إذا ما اعْتُرِفَ بالألم
أنا من عافَ التصفيقَ
وابتغى دفءَ الصدى
فإن صفّقوا يومًا لبيتي
ما زادني ذاك الرضا
فالمدحُ لا يُغريني
ولا التقديرُ يُشفيني
يكفيني أني حين أبكي
تسمعُني بيوتُ الشعرِ تحميني
أنا لستُ إلا مرآةَ زمنٍ
تكسّرَ فيها الحنينُ
وفي كلّ شظيّةٍ
قصةُ عاشقٍ دفينٍ
سأظلُّ أكتبُ عن التي
لم تَهبني السلامَ
عن تلكَ التي عبرتْ
وتركتْ فوضى الأيامِ
عن وجهِ أمي حين ودّعتُها
في صمتِ المغيبِ
وعن أبي، وتلك الخطى
التي خَبَتْ خلفَ المغيبِ
سأكتبُ عن الخيمةِ
حين كانت وطنًا وسقفًا
وعن الغروبِ إذا بكى
ولم يجد صدرًا ليعطفه
سأكتبُ حتى يجفّ الحبرُ
ويشيخَ القلمُ بين يديَّ
سأكتبُ حتى يُعلنَ الزمانُ
أن الشاعرَ قد وفّى النَذْرَ عليَّ
فأنا العاشقُ والعاقلُ
أنا المجنونُ إذا ما لزمَ الأمرُ
أنا الطينُ إذا رويتَني
والنارُ إذا اشتدَّ القهرُ
فلا تُراهنوا على انطفائي
فالقصيدةُ وقودٌ سرمدي
وما دامَ في القلبِ وَجْدٌ
فسأظلُّ أكتبُ … للأبدِ
سأكتبُ حين يخذلني الورقُ
على جدرانِ روحي
وأوشمُ الحرفَ في أضلعي
كأنّ الشعرَ دَيني وجُروحي
سأكتبُ فوقَ رملِ التيه
إن ضلّ الدربُ بيومٍ
وأصرخُ في وجوهِ الصمتِ
إن ماتَ فينا الحُلمُ والنومُ
أنا لستُ طفلَ الحضارةِ
ولا ابنَ الضوضاءِ
أنا سليلُ السرابِ،
وحفيدُ الخيالِ والأنبياءِ
أنا بدويٌّ يعشقُ النسيمَ
ويطاردُ الظلَّ في الهجيرِ
يرى في الخيمةِ سماءً
وفي الكثبانِ أساطيرَ المصيرِ
فلا تسألوني عن مدينةٍ
أغلقتْ أبوابها في وجهي
ولا تسألوا عن مرآةٍ
كذّبتْ ملامحَ وجهي
دعوني كما كنتُ
صوتًا في البراري
ينادي طيفَ المعاني
ويُطاردُ نجمةَ السَّماري
فقد تعبتُ من الشكوى
وسئمتُ ملامحَ الزيفِ
أريدُ فقط أن أكونَ
سطرًا صادقًا في الحيفِ
أنا من جفّتْ دموعُهُ
لكن بكى قلبُه ألفَ مرة
أنا من خبّأتُ جُرحي
كي لا تراهُ العينُ حرّة
فلا تفتّشوا في داخلي
عن نبيٍّ أو ملاكِ
أنا بشرٌ يخطئُ
ويكتبُ ليهرب من الهلاكِ
أنا عبدُ الإحساسِ
أُقيمُ صلاتي في بيتِ القصيدِ
وأطوفُ بالكلمةِ
كأنها حجٌّ، وقلبي هو الشهيدُ
بقلم : رفعت رضا
توثيق: وفاء بدارنة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق