الثلاثاء، 19 مارس 2024


وسرق الكلبُ حلمَها .

النادي الملكي للأدب والسلام 

وسرق الكلبُ حلمَها ... 

بقلم الشاعرة المتألقة: ليلى عبدالواحد المرّاني 

وسرق الكلبُ حلمَها ... /  من حكايات الطفولة

بقلمي: ليلى عبدالواحد المرّاني 

في طريقها إلى المدرسة ذهاباً وإياباً تقف مشدوهةً، فاغرةً فمها أمام معرضٍ للأحذية، تستقرّ عيناها على ذلك الحذاء الذي أصبح هاجساً يداعب أحلامها، ورغبةٌ جامحة تعتريها في امتلاكه، لونه الأحمر البرّاق مع وردةٍ تزيّن مقدمته يذهلها.

انتظرت قدوم العيد بفارغ صبر، وإمكانيّات متواضعة الأم تدير بها شؤون عائلة كبيرة، دفعها أن تتّخذ قراراً لا جدال فيه، لا شيء جديد، إلاّ في الأعياد. 

أصبح للعيد نكهة  خاصة، ومراسم وطقوسٌ مميّزة، ثوبٌ وحذاءٌ جديدان، ونقودٌ قليلة، سرعان ما يستولي عليها شاكر، حين ينصب أراجيحه الخشبيّة، لتتسارع الأجساد الصغيرة في امتطائها، وكركراتٌ نشوى تملأ المكان فرحاً وحياة.

بدأت استعدادات العيد، هي أيضاً بدأت استعداداتها للمواجهة الكبرى مع والدتها. لم تكن لديها طلبات سابقاً، هادئة وقانعة بما تقرره أمها، تكاد تكون مستسلمةً، صمتها يثير غضب أخوتها الذين يكافحون حدَّ الضرب للحصول على مكتسباتٍ بسيطة، تشاركهم بها. 

شحنت هذه المرّة همّتها، وحسمت أمرها على المواجهة، أن تبدي رأيها بكلِّ وضوحٍ وجرأة، وتتمسّك به، وإن كلَّفها زعل أمها منها. كان الردّ قاسياً، ضربةً موجعةً لكلّ أحلامها، حين وصفت الحذاء لها.

الحذاء الجديد يجب أن يمتلك جميع المواصفات المطلوبة، قرارٌ حاسم اتخذته الأم غير قابلٍ للنقاش، أكبرُ من قياس القدم بنمرةٍ أو نمرتين، كي يُلبس مع الجوارب، صيفاً وشتاءً، داكن اللون، ويفضّل الأسود ليتحمّل تقلّبات الطقس..

لأوّل مرّة، تصطدم الأم بإصرارها، وهي تبكي لعدّة أيام، رافضةً التنازل عن حلمها. وتحقَّق الحلم أخيراً، وامتلكت الحذاء الأحمر اللامع. لم تصدِّق كيف رضخت أمها لتوسلاتها وبكائها، هل كان إشفاقاً عليها، هي التي لم تخالفها الرأي يوماً، أم كيداً بأخوتها الذين كانوا يتهامسون ويضحكون، ساخرين من تلك المخلوقة الضعيفة، التي تمرّدت فجأةً وانطلق لها صوتٌ كان دوماً مكتوماً.

لم تستطع النوم وهي تحتضن حذاءها الحلم، منتظرةً صبيحة العيد كي تتباهى به أمام صديقاتها. وككلّ عيد اعتادت وأخواتها الذهاب إلى بيت خالهن للحصول على (العيديّة)، ولاصطحاب بنت خالهن الطويلة، ذات القدم الكبيرة إلى المراجيح. وإذعاناً لأوامر زوجة الخال الصارمة، تُخلع الأحذية عند الباب قبل الدخول.

كلبهم ضخم يتطاير شررٌ من عينيه، مقصودةٌ هي به، كانت تحسّ، ولا تدري السبب لهذا العداء السافر. احتمت بأختها الكبرى، خوفاً منه. صُعقت حين خرجت، وكادت تفقد توازنها، كأنّ شيئاً ثقيلاً هوى فوق رأسها، فردةٌ واحدة من حذائها كانت هناك عند الباب. بجنونٍ وعشوائيّة ركضت في أنحاء الحديقة، تفتّش عن الأخرى دون جدوى، تشاركها أخواتها وبنت خالها، وكان الذهول مفجعاً حين رأت فردة حذائها بين فكّي ذلك الوحش، يمزِّقه، تمزّق خوفها هي أيضاً، وبشجاعةٍ مفاجئة، هجمت عليه، ناسيةً خوفها ورعبها منه، وشررٌ يتّقد، يتطاير من عينيه. فاجأها بهجومٍ مرتدّ، صدّته عنها بنت خالها، وبقي الحذاء يئنّ بين فكّيه.

رغم نحيبها المتواصل، أقنعتها بنت خالها على انتعال حذائها القديم، كيلا يضيع مشوار الأراجيح. طوال الطريق كانت تتصارع مع الحذاء العملاق، ضعف حجم قدمها كان. وقعت أرضاً، وهي تحاول التقاطه حين انخلع من قدمها. ضحكت أخواتها، وبنت خالها ضحكت، وغلى الدم في رأسها وهي تستعرض مشهد حذائها الضحيّة بين أسنان الكلب الخبيث، زاد عليه ضحكهنّ وسخريتهن. رمت الحذاء العملاق عليهن، وركضت عائدةً إلى البيت، لتتلقفها بالتأنيب والتقريع والدتها، وهي تراها حافيةً تبكي. 

لم تستطع النوم ليلتها، تقضم وسادتها كي تكتم صوت نحيبها، وتطرد صورة حلمها بين فكيّ كلبٍ مسعور. أخذت تحلم من جديد بامتلاك حذاءِ أحمر تعلوه وردةٌ سوداء، صغيرة .. وعيد سيأتي بعد شهورٍ طويلة

بقلم : ليلى عبدالواحد المرّاني 

توثيق: وفاء بدارنة 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق