*** على أرصفة الانتظار. ***
النادي الملكي للأدب والسلام
*** على أرصفة الانتظار. ***
بقلم الشاعر المتألق: رفعت رضا
بقلم الشاعر رفعت رضا
*** على أرصفة الانتظار. ***
من عشقها الفؤاد
وقد أدركتُ، بسنينِ الغياب،
أنَّ الهجرَ قد طال،
وكان مكانُها بين الأبياتِ،
ليتغنّى بجمالها كلُّ الشعراءِ،
ويبقى شاعرُ الوحدةِ
بين أركانِ الاشتياق،
وفي قطراتِ الندى بالصباحِ
يرثي ماضٍ خَلّاب،
بين العواصفِ، وأصواتِ الاعتراض،
يكتب ليبوحَ بالجواب:
من أنتِ؟ ولمن الإهداء؟
لذاتِ البسمةِ، والنظراتِ،
ذاتِ العينِ البُنيّةِ
التي تقشعرُّ لها الأبدان.
أكتبُ لوصفِ الواقعِ بالافتراض،
وها هي الاستعاراتُ
لا تقوى على حملِ معاني الكلمات،
فأيُّ جمالٍ يُوصف به
حوريّةٌ من الجنّات؟
قد انحنى شجرُ الصفصاف،
وتفتحت أزهارُ البنفسجِ والأقحوان،
وعجزَ الكلُّ من الحياء
أن يحملوا وصفَ جمالكِ
ليقارنوكِ بالأشعار...
قد مللتُ من النظرِ
لشرفةٍ كنتِ يومًا تزينينها
بأجملِ الطلّات.
فأين لاحت الطلّات؟
وأين طيفُكِ الذي
يجول بين الطرقات؟
أسكروا ليرَوكِ،
وها هي الكؤوسُ قد ثملت،
ولا أراكِ تتمايلين مع الألحان،
يا ذاتَ خصرٍ نُحتَ على المجوهرات،
يا ياقوتتي، وماستي،
يا سيّدةَ كلِّ النساء،
فلا نساءَ بعدكِ،
وكيفَ بلاكِ تحلو الحياة؟
قد طاع العاصي،
وأعلن الخضوعَ دونَ مقدمات،
وشهرتُ الحسام
ليعرُجَ إليكِ نحو السماء،
وما بلغَ إلا المحاق...
فبادرتُ بالسؤال:
أين الملكة؟
فقد خاطَ لها العاشقُ
من الفؤادِ تاجًا
يُزيّن رأسَ أميرةٍ بلا عنوان،
طبعُها الترحالُ،
اليوم هنا، وغدًا هناك...
فما هناك؟
وأين غدوتِ؟
دونَ أن تُعطي الأسباب.
فلا رسائل،
ولا حتى عطرٌ نُسي في أطراف المكان،
ولا من أثرٍ يُنبئ بعودةِ الزمان،
تُرى... هل نسيتِ
أم تناسيتِ؟
هل كنتِ حقًّا هنا؟
أم كنتُ أنا
أهذي بحُلمٍ بين يقظةٍ وذهول؟
قد سلِبتِ من الفؤادِ نبضَه،
ومن القصيدةِ روحَها،
وصار الحرفُ لا يُجيدُ النطقَ إلّا باسمك،
صار الليلُ لا يهدأ
حتى يهمس للقمر عنكِ،
وساد الصمتُ،
إلّا من صوتِ الغياب...
يا سيدةَ الرحيلِ الدائم،
أما آن للقلوبِ أن تهتدي؟
أما آن لخطواتِكِ أن ترجع
وترقص على تراتيلِ الوجد؟
أما آن للموعدِ أن يُكتب
بمدادِ الصدق لا سرابِ الاحتمال؟
فإن عدتِ،
فاحملي معكِ النور،
واخلعي عن القلبِ ثوبَ الانتظار،
وإن لم تعودي...
فاتركيني
أغفو على أطلالِكِ،
شاعرًا،
ضائعًا،
يكتبكِ كلَّ مساء،
ولا يكتبُ سواكِ.
وإن ضاعت ملامحكِ
في زحامِ الوجوه،
فلن يضيع اسمُكِ من بين الضلوع،
وإن تناثرت خُطاكِ على الأرصفةِ
كأثرٍ غابرٍ
لظلِّ امرأةٍ عبرت العمر
كطيفٍ من الأساطير،
فلا زلتُ أراكِ
بين السطور،
في نبراتِ الأغنيات القديمة،
وفي دموعِ العابرين
حين يخذلهم الحنين...
أترين؟
لم تَغِبي
أنتِ فقطِ اتخذتِ الغيابَ وطناً،
والنسيانَ قناعًا،
وأنا؟
ما زلتُ أُقيمُ في كلِّ تفصيلةٍ منكِ،
أحرسُ بوّابة الذكرى،
وأصغي لصدى صوتكِ
حين يُناديني...
من وراء الغيم،
من خلف أبوابِ المستحيل.
يا ابنةَ الضوءِ
والأمنياتِ المؤجلة،
إن سألوكِ عن شاعرٍ
نقش اسمكِ
على كل نَفَس،
فقولي لهم:
كان هُناك فؤادٌ
اختار العشقَ مقامًا،
وكتبني
قبل أن يعرف اسمه.
فكان الحنينُ له محرابًا،
وكان الدعاءُ أن ترفرفي كالأماني
في سماءِ اللقاء،
أن تُغنِّي الطيورُ من لحنِكِ،
ويزهرَ العُمرُ في خطاكِ،
وأن تُضاءَ المدينةُ كلّما
همستِ باسمي...
ولو من بعيد.
ما بالُ الصمتِ لا يُجيدُ الردَّ؟
وما بالُ الزمانِ
يُعيدُ لي لقطاتٍ
كنتِ فيها كلَّ التفاصيل؟
أكنتِ وهماً
تقاطعَ فيه الواقعُ بالحلم؟
أم كنتِ طيفًا
أحببتُه حتى التماهي؟
أم كنتِ...
نهايةَ كلِّ ابتداء،
وبدايةَ كلِّ رحيل؟
إن سألتِني عن الحياة،
فهي ما بعدكِ خراب،
كلُّ ضحكةٍ بدونكِ
تختنقُ في فمِ اللحظة،
وكلُّ طريقٍ
يمضي بي دون ظلالكِ،
كأنه التيهُ بعينه.
أما أنا،
فما زلتُ أحتضنُ البوح،
كمن يُربّي وردةً
في زمنٍ لا يرحم المطر،
وأسقي القصائدَ من وجعي
حتى لا تموت،
فأنتِ فيها،
أنتِ الحبرُ والمعنى،
أنتِ النَّفسُ
الذي لا أملُّ ترديدَهُ...
حتى وإن خانتني الحروف.
عودي،
ولو طيفًا على صفحةِ ماء،
عودي،
ولو حلُمًا أراه حين أُغمضُ عيني،
عودي،
كي أعترفَ أني لم أُحبَّ سواكِ،
وأنني،
كلَّما كتبتُ عن الغياب،
كنتِ أنتِ المعنى،
وكنتِ أنتِ السؤال...
والجواب.
فيا آخرَ الفصول،
ويا أولَ الحكايات،
يا مَن علَّمتِ القصيدةَ
أن تنبضَ وجعًا،
وأن تتوضّأ بالحنين،
إن انتهى هذا البوحُ
فلا تظنّي أن القلبَ قد نسي،
ولا أن الشاعرَ قد ألقى القلم.
بل هو تعب،
تعبٌ من الجري خلفَ السراب،
تعبٌ من انتظارِكِ
على أرصفةٍ لا تعرفُ الرجوع،
تعبٌ من النبشِ
في ذاكرةٍ تسكنينها
وترحلين كلَّ يوم.
فلتكوني كما شئتِ:
ذكرى، وجعًا، أو نجمةً بعيدة،
لكن لا تنسي،
أن هناك شاعرًا
قد باح بكلّ شيء،
ونسى نفسه
في سبيلكِ.
وها أنا أختمُ القصيدة،
لكنّي لا أختمُكِ،
فأنتِ البداية،
وأنتِ النهاية،
وأنتِ…
القصيدةُ التي لم تكتمل يومًا،
ولن تكتمل.
بقلم : رفعت رضا
توثيق: وفاء بدارنة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق