الأحد، 17 نوفمبر 2024


***  النَجاة. ***

النادي الملكي للأدب والسلام 

*** النَجاة. ***

بقلم الكاتبة المتألقة : زهراء الركابي 

***  النَجاة. ***

رأيتُ ما يرى النائم أنني في قَريةٍ وَسَطَ بيتٍ مَجهولٍ 

لِصَديقةٍ ليسَ لي فيها صِلة على أرضِ الواقع ولا يَربِطُني بها غيَّرَ هذا المنام كانت نَحيلةً وترتدي الحِجابَ إقْتَرَب مني زَوجَها العَظيمَ القَامة والجَسَد وبدأ يحاول إغوائي كانَ يَملِك كل مواصَفات رِجال الدُنيا التي تَحْلُمُ بِها أيُّ فَتْاة من وَسامة وهيبة وغنى قال لي أُريدكِ زوجةً وكأنهُ واثقٌ مِنْ تَكامُلِ صِفاتَهُ في عُيُونِ النِساء وكأنهُ واثقٌ بأني سَوفَ لا أرفِضَهُ تَحَدْثَ عن ذلِكَ بِثِقَة رَفضتْ موضِحة سَبَّبَ رَفضيَّ لا فأنا لَستُ مِنْ الخائِنين لا يُمكن أنَّ أُشارِكَ صَديقتي في زوجِها ، قال لي بِخُبثٍ وَلَكِنْ حتى وإن رَفَضْتي لَنْ تَكونَ صَدِيقَتُكِ هي الأولى والأخيرة كَما تَزعُمِينْ سَأتَزَوَجُ بِواحِدةَ وإثنان وَثَلاثة وأربعَ وَرَفضُكِ لَنْ يُجديَّ نَفْعًا ...  

ثُمَ أني أُريدُ أنَّ اتَزَوجَ الأربعَ لَكِنيَّ الآن اُريدكِ ، كَررتُ قَوليَّ لَنْ أكونَ مِنْ الخَائِنين وَكانَ في دَاخِلي خَوفٌ مِنْ أن يَستَطيعَ هذا الرَجُل إيقاعيَّ في الفِتنَةِ بإقناعيَّ الزَواجَ مِنْهُ لَكنيَّ بَقِيتُ مُصِرةٌ على مَوقِفي !

وَفَجأةً أطَلَتْ صَدِيقَتي بِرأسِها مِنْ البابِ تَبْتَسم إلى زَوجِها الذي كانَتْ تَتَوَسَمُ فيهِ الوَفاءْ والإخلاص ولَمْ تَكُنْ تَعلم شيءً عَنْ حَدِيثُنا الذي خُفيَّ عَنها،  بَلْ إنها مِنْ شِدَةِ حُبِّها بِزوجِها لا تَفتَأ تُطِلُّ بَرأسِها مُطمَئنةٌ عَليهِ بَيّن الحيّن والحيّن وإبتِسامَةُ الرِضا تَشَعُ مِنْ مُحَياها " 

وَبَين الرَفْضِ والخَوْفِ والتَرَدُدِ مِنْ أن أقع في تِلك الفِتنَة وفي شِباكِ ذَلِكَ المُحتال الذي يُحاول إغوائيَّ إذا بِوَجهِهِ يَستَحيل إلى قَباحة وإلى جسمهُ المَفتول العَضَلات يَؤول إلى بَدانة وإلى شَعرهُ الأسود المُرتب يَصيرُ ابيضًا مَنكوش لَمْ يَبقى مِنهُ غَيَّرَ الطولَ الفارع لَكن بِجِسم بَدين وغَيَّرَ جَميل وَقَفَ على قُربٍ مِني كانَت رَقَبَتَهُ مَليئةً بالتَجاعيد أُصِبْتُ بِالذُهولِ مِنْ هذا التَحَول المُفاجئ في الشَكلِ وتَبَدلَ إعجابيَّ إلى نُفور مِنْ شَكله !

رُغم هذا ما زَالَ يُحَاول ' بَدأ يَتَحدث عَن ثَروَتَهُ وَقالَ إن هذا البَيت الذي يَسكُنَهُ بِجَمالهِ وَضَخامَتِهِ وَحَداثَتِهِ لَيسَ إلا نُقطةً مِنْ بَحرِ ثَروَتِهِ وَأنهُ يَملكُ اموالاً لا طائِلَ لَها "

اعَدتُ تِكرارَ رَفضيَّ على مَسمَعه وَهَذهِ المَرةِ قُلتُها مِنْ دونِ تَرَدُد إنَني لَنْ أتَزَوَجُكْ وَلَنْ أكُونَ مِنْ الخائِنين "

وَقَررتُ أن أعودَ إلى مَدينَتي هَربًا مِنْ شِباكِ ذَلِكَ الرَجُل ، قَطَعتُ شَوارِعَ القَريةِ سَيّرًا على الاقدامِ وَاجتَزتُ أسوارُها حتى أرانيَّ في شارِعٍ عَريضٌ مِنْ شَوارعِِ مَدينَتي فِيهِ طَريقانْ يَفصِلُ بَينَهُما رَصيفٌ وَكانَ هذا هوَ عيدَ الأضحى وَالناسُ مُجَتَمِعُونَ في الشارعِ يُقَدِمُونَ القَرابينْ لَكِنْ الصَدمةَ إنْ تِلكَ القَرابينْ كانوا مِنْ البَشَر قَدْ احكَموا رَبطَهُم بِالأغلالِ وَبدا عَلَيهم بِوضوح ما يُعَانونَهُ مِنْ الظُلمِ المَقيتْ ، كُنتُ مُندَهِشَةً مِنْ ذَلِكَ لَكني واصلتُ المَسير وإذا بي اُبصِرُ ضَحايا كُثر عَلى الرَصيف قَدّ نُحِروا لَكِنَ رؤوسَهُم ظَلَت عَالِقة  في اجسادِهم يَبدوا إنهم نُحِروا للتو فَلَم يَصِلوا إلى مَرحلة السَلخ والتقطيع كانَ اغلبَهُم مِن الفُقَراء فَهذا يَتَضِحُ مِن لبِاسَهُم ! 

جالَ في خَاطري سُؤالُ هَل إنهم مَنْ قَدَموا أنفُسَهم قَرابيّن أم إن ذَلِكَ قَدّ حَدَثَ بالقَسرِ والإجبار جُلَّ ما عَلِمتُهُ إن فِئة مِنْ الناس كَانوا يَعشَقونَ لحومَ البَشَر بَدَلً لحومِ الحَيوانات وفي وَسَط ذهوليَّ وَشعوريَّ بالقَرفِ مرَّ شَخصٌ لَمْ أنتَبِهَ لَهُ وَضَعَ في يَدَيِّ اليُمنى كيس بلاستيكي مَضغوطْ على شيءٍ اسطوانيّ يُشبهُ السُجق يَبدوا إنهُ مِنْ صُنعِ المَعامِلْ ظَنَنتْ إنها حَلوى مِنْ صُنف الجلاتين وظَلَّلتُ أمسِكُها جاءني صَوتٌ مِنْ الطَريق المُوازي للطَريق الذي كُنتُ أسيرهُ بإن تَعاليَّ لَقَد دَخَلتيَّ في الطَريق الخطأ عَن غَيَّر عَمدٍ وَأكمَلَ مُوَضِحًا بإن هذا الطَريق يَسلِكَهُ آكلي لحومِ البَشَر ممن يَتَغَذَونَ على لحومِ الناس واأنتِ لَستِ مِنهُم فَتَعاليَّ إلى طَريقُكِ مَعَ مَنْ يُشبِهُوكِ سُعِدتُ بإنهُ لا زَالَ هُناكَ حُرية الإختيار بَينَ الصَوابُ والخطأ وإن لَيسَ جَميعَ الناس قَد تَحَولوا إلى وحوشٍ بَشَرية وَبينمَا أنا عَلَى الرَصِيفْ اُحاول العبور إقتَرَبَتْ فَتاةً شَابةً أصغَرَ مني بِقَليل وَتَرتَديّ مَلابسَ سَوداء قالتْ بِصيغَةِ الأمر اعطيني قِطعةَ اللَحَمْ قُلت اي قِطعة لَحَمْ تَقصدين لَمْ أفهَم؟  إكتَفَتْ بِالصَمت وَمَدت يَدها لِتَخطِفَ مِنْ يَدَيَّ ذَلِكَ الشَيء الأسطواني المَضغُوط بكيس بلاستيكي وَبَدَت وهي تَنظرُ لِتلكَ القِطعةُ بِنَفسٍ دَنيئةٍ وَعيونْ شَرِهةَ تَفَهَمّتْ إن ما كُنت احمِلَهُ هوَ قِطعة لَحَم بَشَرية مُعَلبة وإن تِلكَ الفَتاةُ كانتْ مِنْ أكليّ لحوم البَشَر !

أبتَعدتْ وَهي تَحملُ قِطعة اللَحَم وألتَقَتْ عَيناها بِعينيَّ لَقَد كانتْ مُبتَهِجة بِما حَصَلتْ عَليهِ ، سِرتُ في الطَريق الذي كُنتُ أبحَثُ عَنهُ شَعَرتُ بأنيَّ في بَرِّ الأمانِ لَكنيَّ وَسائرِ الناسِ الذين يُشبِهونيْ كُنتُ أخشى عَلى نَفَسيَّ مِنْ تِلكَ الفِئة النَكِرةَ التي تُخالفُ الفِطرة السَليّمة للبشر.

جاءنا نِداءٌ آخرُ وهوَ أن نَتجه صَوبَ أرض المَقابر فِرارًا. بِنَفسِنا حتى وإن اضطرنا الأمر أن نَعبُرَ مِنْ فَوق القبور ، لَمْ أجد نَفسيَّ سِوى أنني واقفةٌ بَينَ القبور وَقَد إنشقتْ المَقبرةُزإلى طَريقينِ طَريق مُعتم وآخر مُسلطٌ عَلَيهِ الضَوءَ قُلت في نَفسيَّ سأختارُ الطَريقَ المُعتم لكي لا أُصبِحَ على مرأى مِنْ عُيونِ المُتَوَحِشينْ إذ ما زادَ عَدَدَهُم وَمَروا بِحشودِهم مِنْ هُنا تَوَقَفْت أُفَكِرُ في قَلقٍ لَكنْ مَاذا لو إنجَرفتْ مَعَهُم وفي وَسَطِ حيرتي وتَرَدُدي وَخوفيَّ جاءني النِداءُ للمَرةِ الثالثة أن ادخُلَ بِالطَريق الذي سُلطَ . عَليهِ النور و أعبُرَ مِنْ فَوقِ القبورِ و إنّ هذا الضوءَ ما هوَ إلا خُدعَةً لَنْ تَتَمَكن تِلكَ الفِئة مِنْ رؤيَتَهُ و سَيَرَوهُ مُعتِمًا بإذن الله  إلا الإنسان صاحبُ الفِطرةِ السَليمة سَيَراهُ مُضيئًا وَمَنْ يَدخُل وَسَطَ النورِ يَختَفي عَنْ مَرأى الناظرين فَيَتَحَولُ إلى كائن غَيَّرَ مرئي وهذا النور هُوَ بِفعلِ جُندٍ مِنْ جنودِ الله قَد كُلِفَ بِهَذهِ المُهِمةِ لإنقاذِ الصالحينْ ، فَما كانَ منيّ إلا أنّ شَعَرتُ بِالسرور والراحة والإطمئنان وَلَبثتُ في الفئةِ الناجية وَكُنتُ على رأسِ الطريقِ  عندها مَتَعتُ عَينيَّ في بَهاءِ النور وَسَمَحتُ لَهُ أن يَغمُرَ بَصَري نَظَرتُ إلى الطَريقِ المُعتِمِ عَنْ يَساريَّ وأنا اشعُر بِلذةِ الظَفَرِ والإنتِصار . 

بقلم : الكاتبة زهراء الركابي✍️

توثيق: وفاء بدارنة 



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق