عندما تبكي الطفولة "
النادي الملكي للأدب والسلام
عندما تبكي الطفولة "
بقلم الشاعرة المتألقة: نعمات موسى
****************
:::::::::::::
"""""'"'''''''''''""""
" عندما تبكي الطفولة "
دخلت الأم الغرفة الصغيرة حيث تضع مؤونة الأسرة إلى جانب عُلب كرتونية وأخرى معدنية تحتفظ بداخلها حاجات كثيرة.
فتحت الإم إحدى العلب الكرتونية وأخرجت محتوياتها ( أوراقاً ' وريشاً للرسم ' وألواناً متنوعة) لا زالت في علبها ... لوحات كُدست فوق بعضها إنها لعامر الرسام الماهر الذي طالما قدّم المعارض التي تُثبت هويته الفلسطينية التي يفتخر بها ونال عليها الجوائز العديدة.
وكانت اللوحة الأروع التي رسمها منذ عدة أشهر يوم قام بعملية استشهادية كبيرة كانت حصيلتها خمسة عشر قتيلاً وأربعين جريحاً من الإسرائيلين الغاصبين. إلى جانب لوحة والده الذي استشهد وأخوه الأكبر أثنا عودتهما من بيارة البرتقال.
سمعت الأم صياحاً وضجيجاً ارج البيت فأسرعت بالخروج من الغرفة خائفة على ابنتها عبير في العاشرة وعمار في السابعة.
خرجت من الغرفة دون أن ترى عماراً حيث دخل الغرفة أثناء خروجها المرتبك. !!! وجد عمار محتويات العبة على الأرض وحمل من علب الألوان بعضها وفتح علبة أخرى أخرج منها شيئاً خبأه مع الألوان تحت قميصه وخرج من الغرفة مسرعاً.
عادت الأم وأعادت محتويات العلب لمكانها دون أن تتفقدها وهي تتمتم بكلمات مبهمة استنكاراً ولعنات على إسرائيل التقي أقضّت مضاجع الأطفال وأحالت ليل الأمهات إلى قلق دائم. أغلقت باب الغرفة عصبية الحركة مضطربة الأنفاس فالخراب كبير. تفقدت عماراً فلم تجده سألت أخته عنه أجابتها خرج من الغرفة منذ ساعة ولم يعد حتى الآن! !!! طار صواب الأم خرجت لا تبالي بشيء تسأل جيرانها فلم يخبرها أحد أنه رآه. تضرب خديها بكفيها تلوذ بالزوايا تصرخ وتناديه باسمه اجتمع الجيران حولها يبكون معها لقد خطفوه وقتلوه. آه يا بني لا زلت صغيراً. ???? .
اقترب طفل من أصدقائه اسمه حمزه وقال : عمار لم يمت لقد رأيته على السطح منذ وقت ولوح لي بيده.
ركضت الأم إلى السطح لتراه مسجى على ظهره والدماء تنزف من صدره وحوله أشلاء ممزقة.
صرخت الأم وانحنت عليه ترفعه عن الأرض وتضمه إلى صدرها وتشهق بالبكاء والصراخ. تمسح وجهه بيد مرتجفة ليفتح عينيه ويبتسم لها ابتسامة طفل وجد أمه بعد ضياع وقال لها : لماذا تصرخين يا أمي ألم تزغردي عند استشهاد أخي عامر? ?
الشهيد لا صراخ عليه إلا ترينني أنزف الدم وحولي أشلاء الصهاينة? انظري يا أمي إلى أيديهم القذرة الملوثة بدماء الأبطال الشهداء ' وهذه الرؤوس اللعينة التي لا تفكر إلا بالموت والدمار ' وتلك الأرجل التي لا تسعى إلا للقتل والخراب. !!
قتلتهم أنا جميهم وعلى رأسهم قائدهم هذا اللعين وأمسك برأس لعبة قبيحة الوجه ورماه أرضاً وبدأ يدوسه بقدميه الحافيتين الصغيرتين. وقفت الأم جامدة الملامح باهتة النظرات مثلجة الأطراف لحديثه.
اللون الأحمر وكأنه الدم الحقيقي فلم تميز الأم بين الدم واللون ' احتضنته بشدة لقد فهم عمار معنى الشهادة ومعنى التضحية وأراد أن يكون رجلاً فأخذ من الغرفة الصغيرة علبة اللون الأحمر وفتحها ومزجها بالماء ونثر حوله أشلاء لعبة أخته وسكب الماء الأحمر على صدره وتمدد على الأرض بوضعية الشهيد وغط في نوم عميق استيقظ منه على صراخ أمه التي قالت له : ستكبر يا عمار في وطن تحرره دماء الشهداء وتتحقق أحلام الأطفال بألعاب وحدائق ومدارس بدلاً من أحلامعم الملأى بالموت والدمار والخراب.
بكى عمار وعاد إلى غرفته حزيناً متألماً.
تُرى متى تُبهت الشمس? متى تعزف السواقي لحن الموت? متى تذبل الزهور ? لا شك أن هذا يكون " عندما تبكي الطفولة " فهل من يد تمسح دمعة عمار? وهل من قلب يحن على الطفولة ? وهل من دواء يشفي القلوب المجروحة? ??? .
....... بقلمي
/ نعمات موسى /
( موثقة في كتابي) .
توثيق: وفاء بدارنة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق