الأربعاء، 9 يوليو 2025


*** صباحٌ لبغداد…***

النادي الملكي للأدب والسلام 

*** صباحٌ لبغداد…***

بقلم الشاعر المتألق:  شوقي كريم حسين

---

*** صباحٌ لبغداد…***

صباحٌ يتكئُ على كتفِ دجلة،

يفركُ عينيه بماءِ النهر،

ويُهدهدُ المدينةَ بترنيمةِ القصبِ

، وهو يرقصُ في مهبِّ الروح.


سلامٌ على العمالِ الغابشين،

يمضغون التعبَ مثلَ رغيفٍ بائت،

ويُلقون بأنفاسِهم في جوفِ المعامل،

كأنهم يُنقّبون عن وطنٍ في حفرةِ الفحم.


أيديهم مشقّقةٌ كأرضٍ عطشى،

لكنها تبذرُ الحياةَ في طينِ الفجر.


صباحٌ للنساءِ الواقفاتِ عند تنانيرِ الأمل،

يُشعلنَ الخبزَ كأنّه دعاء،

وترتفعُ رائحةُ الطحينِ مثلَ بُخورٍ يُصلّي

 لنهارٍ لا يعرفُ الجوع.


سلامٌ على شبابٍ

يبحثون عن وطنٍ في عيونِ بعضهم،

عن نافذةٍ صغيرةٍ تفضي إلى الضوء،

عن قُبلةٍ واحدةٍ لا يخونها الرماد.

يحملون أحلامَهم على أكتافٍ منهكة،

ويضحكون، رغم أن الحلمَ يُضربُ يوميًّا بالهراوات.


يا بغداد،

يا أنثى تسرّحُ شعرَها بماءِ النهرِ كلَّ صباح،

كلُّ صباحٍ لكِ صلاة،

وكلُّ تعبٍ فيكِ شهقةُ حبّ،

وكلُّ من ظلَّ فيكِ واقفًا… يستحقُّ نشيدًا لا ينتهي.


صباحٌ يتدلّى من خيوطِ الشمس 

على وجهِ طفلةٍ

تحملُ محفظةً مرقّعةً بالحنين،

تتعثّر بخطى الحرب،

لكنّها تمضي…

كأنّ الأملَ يختبئ في ضحكتها.


صباحٌ للباعةِ المتجولين،

يجرّون عرباتهم كما تُجرُّ الأحلامُ 

في شوارعِ التعب،

ينادون على بضائعهم كمن ينادي 

على ذِكرى،

على وطنٍ كان يُباعُ في الساحات… ثم فُقِد.


صباحٌ للمقاهي التي لا تزالُ تحتفظُ

 بأحاديثِ الشعراء،

وبمقاعدَ شهدت انقلابَ القلوب،

وسجائرَ احترقتْ قبل أن تشتعلَ القصائد.

في كلّ ركنٍ، ظلُّ مغنٍّ عتيق،

وفي فنجانٍ، وجهُ وطنٍ مذبوح.


يا دجلة،

كم من سرٍّ خبأتَه بين أمواجك؟

وكم من دمعةٍ خجولةٍ عبرتْ دون أن تراها الشمس؟

أنتَ الشيخُ الذي شابَ من كثرةِ المآسي،

لكنّك ما زلتَ تُغنّي،

كأنك لا تعرف الغرق.


يا بغداد،

كلُّ صباحٍ لكِ قصيدة،

وكلُّ جرحٍ فيكِ يتحوّل إلى لحن.

أنتِ المدينةُ التي، إذا انكسرتْ،

تنهضُ من انكسارِها،

وتُشعلُ قنديلَ الحياة.


سلامٌ للذاهبينَ في صمتٍ نحو الفجر،

للواقفين على الأرصفةِ كأنّهم صلوات،

للأمهاتِ اللواتي يخبزنَ الصبر،

وينثرنهُ على موائدِ الفقراء.


سلامٌ عليكِ،

يا مدينةً تُولدُ كلَّ صباحٍ،

من رمادِ الليل،

ومن عنادِ أبنائكِ.

بقلم :  شوقي  كريم حسين 

توثيق: وفاء بدارنة 



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق