الثلاثاء، 29 يوليو 2025


* الوَترُ الثالِثُ عَشَرَ *

النادي الملكي للأدب والسلام 

* الوَترُ الثالِثُ عَشَرَ *

بقلم الشاعر المتألق: فتحي الخريشا 

   * الوَترُ الثالِثُ عَشَرَ *

 أَلَا يَكفِيكَ يَا أَيُّهَا الإِنسَانُ لِتَستَمعَ بِمُستَفِيضِ مَحبَّةٍ لِلمُوسِيقَىٰ مُتَمَاهِيًا فِي شَدوِ أَنغامَهَا أَنَّ كُلَّ أَحوَالِكَ النَّفسَانِيَّةِ عَلَى مَا دَنَتْ أَو شَطَحَتْ تَلْقَاهَا عَارِيَةً بِلَا أَخَادِيعَ فِي أَلحَانِهَا فَتَنعَمَ بِحُرِّيَةِ الحَقِيقَةِ حَيثُ سُمُوِّ الرُّوحِ وٱتِّقَادِ الفِكْرِ، وكَذَا تَنطَلِقَ مِنَ الأَغْلَالِ المُرسَفَةِ حَولَ مَدَارِ الجَسَدِ وطَاحُونَةِ المَادَّةِ حُرًّا كَمَا لَطِيفَةِ النَّسمَةِ وسَامِيًا نَحوَ رُتبَةِ إِنسَانِكَ فِي مَجِيدِ العَلَاءِ فِيمَا تَرَاهُ أَنَّهُ الحَقُّ فَوقَ كُلِّ مُتَهَاوٍ وزَائِلٍ فِي ظَاهِرِ وبَاطِنِ هَذَا العَالَمِ المُتَرَاقِصِ بَيْنَ تَجَلٍّ وٱنْعِكَاسٍ لِأَنتَ الأَعلَىٰ.

 يَكفِيكَ لِتُحِبَّ المُوسِيقَىٰ أَنَّهَا مِرآةُ ذَاتِكَ تُرِيكَ إِيَّاهَا صَقِيلَةً لِمَعرِفَةِ حَقِيقَتِكَ دُونَ ٱحتِمَاءِ وَرَاءَ أَسْوَارٍ وٱسْتِتَارٍ خَلْفَ كَوَالِيسَ، لِتَصِيرَ أَكْثَرَ قُدرَةً فِي أَيِّ مُوَاجَهَةٍ وأَكْثَرَ طُمَأْنِينَةً مَعَ النَّفسِ فِي رَاحَةٍ وَسَلَامٍ، أَوَلَيْسَتْ تَمنَحُكَ الٱسْتِرخَاءَ بِرَحَابَةِ هُدُوءٍ لِيَتَوَقَّدَ أَكْثَرَ ذِهْنُكَ بِتَأَلُّقِ صَفَاءِ الوَعيِ، الحَرِيُّ تَغَيُّرُ حَالِكَ مِنْ رَنَّاتِ إِيقَاعَاتِهَا المُؤَثِّرَةِ لِلطَّائِفِ حُلُولٍ عَلَىٰ مَا تَقَعُ عَلَيْهِ نَفْسُكَ يُنبِئُكَ عِشْقًا لِلذَّاتِ والحَيَاةِ، لَولَا تُبصِر بِرُؤيَةِ سَمَاعَتِكَ تَكْتَسِبُ مَا كَانَ يَعجِزُكَ نَوَالُهُ مِمَّا كُنتَ تَتَمَنَّاهُ لَبَيْنَ يَدَيْكَ، والَّذِي يَحُوزُ السَّعَادَةَ المُقَطَّرَةَ أَنَاغِيمَ مِنْ سَمَاءِ رُوحِهِ هُوَ الأَغْنَىٰ وَالأَكْثَرُ ثَرَاءً.

 يَكفِيكَ لِتُحِبَّ المُوسِيقَىٰ المُنسَابَةَ مِنْ مُنشَرِحِ رُوحِ الطَّبِيعَةِ ومِنْ مُتَهَلِّلِ تَجَاوِيفِ آلَاتِهَا تِلْكَ الغِبْطَةُ الخَفِيَّةُ الَّتِي كُلَّمَا أَفْئِدَتُكَ لَامَسَتهَا أَكْثَرَ ٱمتَلَأَتْ بِهَا فَيَّاضَةً لِكُلِّ الجَوَارِحِ، فَإِذَا أَنتَ يَا صَاحِ دُونَ نَقصٍ أَوْ ٱسْتِعلَاءٍ مُسْتَقِرًّا بِتَوَازُنٍ فِي الأَعَالِي وبِلَا خَوفٍ أَو قَلَقٍ تُقِيمُ فِي هَذِهِ المُرتَحِلة الَّتِي تَحيَاهَا كَمَا يَجِبُ فِي المِيزَانِ الإِنْسِيِّ لِتَرحَلَ صَوبَ النُّورِ.

 يَكفيكَ لِتُحِبَّ المُوسيقىٰ أَنَّها تَمنَحُكَ أشرِعَةً جَوَّابَةَ المَدَايَاتِ البَعِيدَةِ لِتَملِكَ مِن عَطَائِهَا قُوَّةَ التَّركِيزِ العَالِيَةِ الدِّقَّةِ والَّتِي مِن خِلَالِهَا تُعَبِّئُ أهرَاءَكَ بِنَضِيجِ حُلْوِ الثَّمَرِ وفَوقَ صَنَادِيقِكَ تَتَدَلَّىٰ بِغَوَالِي الكُنُوزِ، فَإِذَا بَيْنَ يَدَيْكَ لَوحَاتٌ فَائِقَةُ الجَمَالِ تَجُوبُهَا مِمَّا خَلَقتَ مِن وَاعِيَتِكَ مِن إِتقَانٍ إِبدَاعِيٍّ مِن وَحيِ أَنعَامِهَا وَمِن سَنَاءِ ذِهنٍ يُسْنِي لَكَ إِشرَاقًا تُشْرِقُ فِيهِ بِتَسَابِيحِ صَلَوَاتٍ تَعلُو فِي فَضَاءِ الحُرِّيَّةِ ولَا تَنقَطِعُ إِلَّا حِينَ أَنتَ عَنهَا ظَهْرَانِيًّا أَو لِكَرَّةٍ أُخرَىٰ تَطلُبُهَا لِزَادِ الاِكْتِشَافِ، ولَكِن يَا صَاحِ لَئِنْ جَافَيْتَهَا هِيَ لَا تُجَافِيكَ لِٱبْتِعَادٍ مَهْمَا عَنهَا ٱبتَعَدتَ، لِأَنَّ تَأثِيرَاتِهَا الخَفِيَّةَ الجَلِيلَةَ فِي جَوَّانِيَّتِكَ تُرَافِقُكَ لحَيثمَا أَنتَ تَكُونُ.

 يَكفِيكَ يَا أَخِي الإِنسَانُ لِتَعشَقَ المُوسِيقَىٰ أَنَّهَا تَزِيدُكَ حِكمَةً عَلَىٰ حِكمَةٍ مَا لَمْ تَكُن أَحمَقَ وَمِنَ القِشرِيِّينَ، تُولِدُ فِيكَ ذَلِكَ الحَكِيمَ الكَامِلَ الَّذِي تَرتَضِيهِ دَائِمَ الحُضُورِ لِلِّبِّ كُلِّ أَمرٍ ومُتَجَلِّيًّا عَلَىٰ الأَشيَاءِ فِي صِدقِ جَمَالِ الحَقِيقَةِ النُّورَانِيَّةِ إِن كُنتَ مِن الفُطنَاءِ الأَلِبَاءِ.

 يَكفِيكَ لِتُحِبَّ المُوسِيقَىٰ أَنَّ فِيهَا رَقصَتَكَ الرُّوحَانِيَّةَ تِلكَ الَّتِي تُقَرِّبُكَ أَكثَرَ مِن نُورِكَ البَهِيِّ ومِن كَامِلِكَ الأَسمَىٰ الحَقَّانِيِّ، لِأَنَّ النَّغمَةَ الحَقَّ تِلكَ الَّتِي تَسمَعُهَا دُونَ ٱضطِرَابٍ وتَشويشٍ ودُونَ تَهَيُّؤَاتٍ مِن أَظَانِينٍ، إِنَّ الطُّوبَىٰ لِلَّذِي تَسبِيحَةُ أَنغامِهِ مِن أَوتَارِ قَلبِهِ لِمَسَرَّةِ فُؤَادِهِ، وحَسبُهُ بِرِيشَةِ الضِّيَاءِ يَعزِفُ أَلحَانَهُ لَا بِرِيشَةٍ مِن ظُلمَةٍ وَأَضَالِيلٍ.

 يَكفِيكَ لِتُحِبَّ المُوسِيقَىٰ لِٱجتِبَاءِ خَالِصِ مَحَبَّةٍ أَنَّ فِيهَا رَقصَ عِنَاقِ ٱمرَأَتِكَ الَّتِي تُحِبُّ وتَعشَقُ فَوقَ أَنغامِ كُلِّ حُرِّيَّةٍ وَجَمَالٍ.

 إِنَّهَا المُوسِيقَىٰ كَعَاشِقَةٍ تَمشِي الهُوَينَىٰ عَلَىٰ أَوتَارِ قَلبِ عَاشِقِهَا المُتَأَجِّجَةِ بِالنَّارِ، وكُلَّمَا تَهَادَت عَلَيهَا ٱزدَادَت حِدَّةً فِي الٱضْطِرَامِ وَلَهِيبًا فِي الاِشتِعَالِ.

 فَهَيَّا أَيَّتُهَا المُوسِيقَىٰ العَذبَةُ، أَقِيمِي وَسَطَ دَائِرَتِنَا نَطُوفُ حَولَكِ بِأَسَارِيرِ المَحَبَّةِ وأَصفِيَةِ الجَمَالِ ولَكِن لِحَدٍّ لَا نَصِيرُ فِيهِ كَالفَرَاشِ حَولَ النُّورِ كَي نَتزِنَ فِي سُمُوِّ المِيزَانِ الحَقَّانِيِّ فَلَا نَمِيدُ عَنِ الصِّرَاطِ وَلَا نَهلِكُ.

 أَلَا هَيَّا يَا أَيَّتُهَا المُوسِيقَىٰ لِعِنَاقٍ يُثمِلُ دُونَ سُكرٍ، ولِإِشرَاقٍ يَتَجَلَّىٰ فِيهِ الوَعيُ بِالنُّهُودِ لِأَعَالِي نِعمَةِ الحَيَاةِ، أَلَا هَيَّا لِحُبٍّ مُلتَهِبِ الشَّوقِ وَدَائِمِ التَّجَدُّدِ عَلَىٰ أَوتَارِ نِيرَانِ الوَجدِ، ولِهِيَامِ عِشقٍ مُنتَشِيًا مِن كَأسِ أَلحَانِ الفَرَحِ.

 أَلَا الحَقُّ هِيَ المُوسِيقَىٰ تَفِيضُ مِن سِحرِ رُوحِ الطَّبِيعَةِ الخَلَّاقَةِ، فَإِيهٍ يَا لَهَا مِن رَفِيقَةٍ دَائِمَةِ الإِشرَاقِ وَفَائِقَةِ الحُسَّانِ.

       من كتاب الموسيقى لمؤلفه :

       المهندس أبو أكبر فتحي فايز الخريشا   ( آدم )

توثيق: وفاء بدارنة 



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق