الثلاثاء، 18 مارس 2025


"حين ينتهي الليل"

النادي الملكي للأدب والسلام 

"حين ينتهي الليل"

بقلم الشاعر المتألق: محمد فتاح 

"حين ينتهي الليل"

بقلم الإعلامي محمد فتاح 

كانت القرية الصغيرة تُغَطُّ بظلام دامس، لا يُضيئها سوى وهج القمر الذي يتسلل خجولًا من بين الغيوم الكثيفة. الرياح تعوي في الأفق، وكأنها تهمس بأسرار لا يعرفها سوى الجبال العالية التي تحيط بالقرية من كل جانب. في أحد البيوت المتواضعة، كانت "ليلى" تجلس بجانب النافذة، تحدق في الظلام وكأنها تنتظر شيئًا ما.

كانت تعرف أن الليل لن يدوم إلى الأبد. كانت تسمع دائمًا كلمات جدتها تتردد في أذنيها: "حين ينتهي الليل، يأتي النور". لكن الليل في هذه المرة بدا أطول من المعتاد. كانت تشعر بثقل في قلبها، وكأن شيئًا ما ينتظرها خلف هذا الظلام.

في الخارج، كانت الأشجار تتمايل مع الرياح، وكأنها ترقص على أنغام غير مسموعة. فجأة، سمعت ليلى صوتًا خافتًا يأتي من بعيد. كان صوتًا غريبًا، لم تسمع مثله من قبل. اقترب الصوت تدريجيًا، حتى بدا وكأنه يأتي من خارج الباب.

بقلب خافق، نهضت  من مكانها وتوجهت نحو الباب. كانت يداها ترتعشان وهي تمدها نحو المقبض. عندما فتحت الباب، وجدت نفسها وجهاً لوجه مع طفل صغير، لا يتجاوز عمره العاشرة، يرتدي ملابس رثة ويحمل في يده مصباحًا صغيرًا ينبعث منه نور خافت.

"من أنت؟" سألت ليلى بدهشة.

"أنا نور"، أجاب الطفل بابتسامة هادئة. "جئت لأريك الطريق".

"أي طريق؟" تساءلت ليلى، وهي تشعر بأن شيئًا غريبًا يحدث.

"الطريق الذي سيأخذك إلى حيث ينتهي الليل"، قال الطفل بثقة.

لم تفهم  تمامًا ما يعنيه، لكنها شعرت برغبة غريبة في اتباعه. أخذت معطفها وخرجت خلف الطفل الذي بدأ يسير بخطوات ثابتة نحو الغابة. كان الظلام يحيط بهما من كل جانب، لكن نور المصباح الصغير كان يكفي ليريهما الطريق.

بينما كانا يسيران، بدأت ليلى تلاحظ أن الظلام يبدأ في التلاشي تدريجيًا. كانت النجوم تظهر واحدة تلو الأخرى، وكأنها تنتظر دورها لتضيء السماء. الرياح هدأت، وصوت الطبيعة بدأ يملأ الأجواء.

"أين نحن ذاهبان؟" سألت ليلى بعد فترة من الصمت.

"إلى حيث تبدأ القصص الحقيقية"، أجاب الطفل بابتسامة غامضة.

وأخيرًا، وصلوا إلى مكان مفتوح، حيث كانت السماء تلمع بالنجوم، والأرض مغطاة بالزهور التي تتلألأ تحت ضوء القمر. في وسط هذا المكان، كانت هناك شجرة عملاقة، أغصانها تمتد إلى السماء، وكأنها تريد أن تلمس النجوم.

"هنا"، قال الطفل وهو يشير إلى الشجرة. "هنا ينتهي الليل، ويبدأ النور".

جلست ليلى تحت الشجرة، وشعرت براحة غريبة تملأ قلبها. كانت تشعر وكأنها وجدت أخيرًا ما كانت تبحث عنه. الطفل جلس بجانبها، ونظر إلى السماء.

"أتعلمين، ليلى؟" قال الطفل بهدوء. "الليل ليس سوى بداية. دائمًا ما يأتي النور بعد الظلام، لكننا أحيانًا ننسى أن ننتظره".

أغلقت عينيها، واستمعت إلى صوت الرياح التي بدأت تعود مرة أخرى، لكنها هذه المرة كانت تحمل معها نغمات الأمل. وعندما فتحت عينيها مرة أخرى، وجدت نفسها جالسة بجانب النافذة في منزلها، وكأن كل ما حدث كان مجرد حلم.

لكن شيئًا ما كان مختلفًا. كانت السماء تبدأ في الإضاءة، وأولى خيوط الفجر تظهر في الأفق. ابتسمت ، وهي تتذكر كلمات الطفل: "حين ينتهي الليل، يأتي النور".

توثيق: وفاء بدارنة 



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق