*** في عتمة الحافلة. ***
النادي الملكي للأدب والسلام
*** في عتمة الحافلة. ***
بقلم الكاتب المتألق : تيسير المغاصبة
---
"في عتمة الحافلة"
سلسلة قصصية
بقلم: تيسير المغاصبة
---
عشية الربيع - 1 -
الآن أدركتُ ما هو المعنى الحقيقي لمقولة:
"الموت مع الجماعة رحمة"
ونحن بالعشرات مستلقون جنبًا إلى
جنب، بينما الآلة الثقيلة تطمرنا بالتراب.
تساءلت بيني وبين نفسي، ونحن في
المقبرة الجماعية:
يا ترى، هل سنُسأل من قِبل مَلَكَي
الموت كما تجري العادة؟
وحسب أقوال أهل الفتوى، وإن سُئلنا، فهل سيكون السؤال جماعيًا؟
أم حسب الترتيب الهجائي؟
أم حسب الأعداد الزوجية والفردية؟
أم ربما حسب أول حرف من الاسم؟
ثم طالما أن الأسئلة باتت معروفة لدينا "حفظناها عن ظهر قلب"،
فهل سنُسأل مرة واحدة ونجيب جميعًا بصوتٍ واحد؟
**- من ربكم؟
ربِّي وربُّكم الله.**
نعم، الموت مع الجماعة رحمة...
لكن، لنفترض جدلاً أن الأسئلة قد تغيّرت!
طالما أن الله قد تركنا نُذبح ونُقتل هكذا
بدمٍ بارد،
فلماذا لا تتغير الأسئلة؟
أم أننا سنُعفى منها؟
خصوصًا أننا ضحايا الإبادات الجماعية
على يد الأنظمة العربية المجرمة!
---
كنت مترددًا - كعادتي - في انطلاقي في رحلتي التالية إلى العقبة هذا العام،
فأنا دومًا أشعر بالندم بمجرد الوصول.
لكن بعد كل ما رأيته في نومي، شعرت بالقلق أكثر،
وإن كان ما رأيته مجرد أضغاث أحلام،
إلا أن تكراره يبعث على الارتياب.
وربما يكون ما رأيته "رؤية" تنذرني بما سيحدث لي اليوم.
نعم...
رأيت فيما يرى النائم قصفًا بالطائرات،
واجتياح المجنزرات "الوطنية" لقلب
المدينة،
رأيتُ الدم والقتل والأشلاء المتناثرة هنا وهناك.
ثم رأيت توافد الزوار إلى منزلنا،
في ثيابهم البيضاء... يا ترى، لِمَ هي
بيضاء؟!
كذلك رأيت قريبتي العجوز "بديعة"،
التي كانت - في الواقع - شديدة القبح،
والتي لم تظهر في منام أحدٍ قط
إلا وكانت نذير شؤم... الموت.
لم أرَ نفسي في الحلم،
إذن، قد أكون أنا...
أنا الذي...
اللهم اجعلْه خيرًا.
عمومًا، ما أراه في نومي مجرد أحلام
داخل أحلام،
وهي أرحم بكثير مما أراه من مذابح
على الشاشات،
ولا عجب، فالمذابح في الوطن العربي
وعلى أيدي الأنظمة.
---
صعدتُ درجات الحافلة الضيقة بصعوبة شديدة،
بعد أن شعرتُ بإعياءٍ مفاجئ.
أما صوتي فكان مختنقًا جدًّا،
وبرودة تسري في ساقيّ وتنتشر كالجليد،
أو كمدّ البحر في الشتاء العاصف.
جلستُ على مقعدي دون أن أخلع جاكيتي،
بل جعلتُ منه غطاءً لي،
عسى أن يخفف من القشعريرة التي
تسري في جسدي،
والتي كانت تمتدُّ، مجمِّدة كلَّ شريان.
تحركت الحافلة، واهتزت، وتمايلت
كالسفينة الشراعية الضخمة،
ثم انطلقتْ إلى هناك.
الإعياء الشديد لم يمنحني حتى حرية
القرار:أن أبقى، أو أهبط من جديد
لأعود إلى منزلي
وأنام على فراشي.
بدأتُ أشعر كأن صوتي وأنيني
يصعدان من بئرٍ عميقةٍ،
واسعة الجوف...
---
"وللقصة بقية..."
✍️ تيسير المغاصبة
توثيق: وفاء بدارنة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق