الثلاثاء، 24 يونيو 2025


*** زائر اللّيل. ***

النادي الملكي للأدب والسلام 

*** زائر اللّيل. ***

بقلم الشاعرة المتألقة: منى رفيق بولس 

*** زائر اللّيل. ***

منى رفيق بولس 

لبنان

كان الليل باردا جدا برودة الفراغ في حياتها، وكانت تتقلب في فراشها وهي لا تعرف للنّوم سبيلا.

في الغرف القريبة صوت أنفاس النائمين يصل إليها كعزف الموسيقى على مسرح يضجّ بالحياة. تبتسم كئيبة هي التي تتوسّل عينيها أن تدركا رقم السّاعة المتأخرة، دون نتيجة.

استوت في فراشها، أخرجته من سجنه، حضنته بيديها، نظرت في عينيه عميقا، وسألته: لمَ تأخّرت في المجيء؟ ألم تدرك بعد حجم اشتياقي وحاجتي إليك؟

ابتسم لها وقال: وما أدراكِ؟ ألا تشعرين بوجودي؟!

أنا أشاركك أنفاسك، ودموع عينيك، ولهفة ذراعيك، والعصيان على النّوم في مقلتيك، وخطو أقدامك وذاك الحبر السائل من قلمك.

_ أنت تسمّرني في اللامكان، في اللازمان، في أرض المستحيلات، تحرقني شمسك ولا قبعة لديّ تقيني منك، رأسي يؤلمني كثيرا، قلبي يؤلمني كثيرا، ولم تحضر لي أيّ دواء.

_ كيف تظنّين ذلك؟ ولمَ ترتكبين خطيئة الافتراء؟ ها أنا أحضر أمامك بكلّ النّار والدّفء، خذي يديَّ بيديك وتحسّسي اللّهب فيهما. خذي الأمان من ذراعيَّ المكبَّلتين، ألست ترين القيود؟ كيف أفلت من قيودي وأنا أقسمت على العهد؟ 

أتتوجّعين أكثر منّي؟!  وبأيّ ميزان عدل تقيسين الفرق بيننا؟!

إن كنت تقلقين فأنا أقلق.

إن كنت تشعرين بالوحدة والفراغ، فأنا أعاني من ثقلهما.

إن كنت تحتاجين يدا دافئة، فيداي تعيشان في الصّقيع، وكم بحثت عن يديك في سرّي.

إن كنت تتقلّبين في وحدتك، فأنا وجهك الآخر. هل تعلمين بأوجاعي؟!

_ دعني أضع رأسي على كتفك لتقرأ ما فيه، لتقلّب صفحاته، لترى وجهك وكيف يعيش الدّفء بين أوراقه، لترى سكناك وغرفة نومك، وحديقة جلوسك، وأزهار روضك، لترى ما بنيته لك في أحلامي المستحيلة.

_ من قال إنّي لم أبنِ لك القصر عينه؟! ولم أزيّنه بشرفات تطلّ على النّور، والمدى، لتطلّ منها أميرتي السّاهرة في أحضان الاشتياق والشّغف؟!

من قال إنّي لم أبنِ لك في أعماق فكري وروحي وقلبي مملكة من نور وضياء؟!

_ ما دام الأمر كذلك خذني إليها، ما عدت أطيق هذا المكان البارد البعيد، دعني أحيا في مملكة ضيائك مليكة متوّجة، رأسي يحتاج تاج يديك، وقلبي يحتاج قيود ذراعيك.

أحتاج إليك كثيرا يا زائر ليلي.

_ وهل تأخّرت مرّة عن المجيء؟!

رفعته بيدها إلى مدى عينيها الواسع، ثم ضمّته إلى قلبها زمنا طويلا، قبل أن تعيد صورته إلى الكتاب السّاهر معها.

تفقّدت أبناءها في أسرّتهم، عدّلت الأغطية فوق أجسادهم، ثمّ عادت إلى غرفتها، أطفأت النّور واندسّت في فراشها الدافئ رغم الصّقيع، وغفت عميقا.

 بقلم : منى رفيق بولس

توثيق: وفاء بدارنة 



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق