ومضَات قُبيل الغُرُوبِ
النادي الملكي للأدب والسلام
ومضَات قُبيل الغُرُوبِ
بقلم الشاعر المتألق:م.فتحي فايز الخريشا
آدم
ومضَات قُبيل الغُرُوبِ
* (الوميض الثامن) *
لَمْ أَكُنْ أَعْلَمُ بِأَنَّنِي كَيْ أَتَنَاوَلَ الخُبْزَ
وشربَةَ المَاءِ،
كَيْ لَا أَبِيتَ فِي شَقوَةِ العرَاءِ،
كَي أُطْعِمَ الجِيَاعَ مِنْ حَولِي ولَا
تَفْتَرِسَهُمُ الضِّبَاعُ،
كَيْ لَا تَعصفُ بِخَيمَتِي رِيحُ النَّكَبَاتِ،
يَجِبُ أَنْ أَحمِلَ سَيْفًا مِنْ لَهَبٍ مَسْلُولًا مِنْ غِمدِ اليَحمُومِ،
وإِذَا مَا دَعَتنِي الحَاجَةُ أَسِيرُ حَافِيًا
فَوقَ الشَّوكِ، فَوقَ جَمرَاتِ النَّارِ،
أَشُدُّ عَلَىٰ جِرَاحِي كَأَنَّهَا زَادُ تِرحَالِي عَلَىٰ
دَربِ الحَيَاةِ المَمزُوجُ بِسُمِّ التَّنَاقُضَاتِ،
المَعجُونُ بِزُعَاقِ الأحزَانِ،
أَجْعَلُ مِنْ نَزْفِي دِمَائِي بَسَاطاً تَحتَ
خُطَايَ لٱرتِقَاءِ السَّمَاءِ،
أَشْرَبُ نَخْبَ الدَّمَارِ وَسْطَ الخَرَابِ،
وبِالْأَسْوَدِ الفَاحِمِ أُسَوِّدُ وَجْهَ القَمَرِ،
أُطْفِئُ الشَّمْسَ وفِي أَوَّلِ الشُّرُوقِ،
أنكِرُ صُورَتِي فِي المِرآةِ،
أغْرِقُ فِي بَحرِ الظُّلُمَاتِ قَنَادِيلَ الضِّيَاءِ،
أُغَنِّي عَلَىٰ أَوتَارِ العَصَبِيَّاتِ لِتَرقُصَ
العَوَاطفُ فَوقَ ٱشْتِعَالَاتِ نِيرَانِ
دَوَاهِي الصِّرَاعَاتِ،
ويَا لِلأَسِفَةِ أَسْخَرُ فِي بَيْتِ العَزَاءِ،
أَحزَنُ فِي مَحفَلِ الفَرَحِ،
مَوتٌ يَعدُو فَوقَ مَوتٍ فَوقَ بِرَكِ الدِّمَاءِ،
حَيَاةٌ تَتَجَلَّبُ فِي كَفَنِ القَتْلِ بِلَا رَحمُوتٍ،
دُنْيَا تَتَمَعَّكُ سَاحَةَ مَعرَكَةٍ ظَالِمَةٍ مِنْ
حَمِيمِ رَهَجٍ،
مِنْ ضَوضَاءِ ٱضْطِرَابٍ وفَوضَىٰ هَرجٍ،
يَا لِلصَّادِمَةِ وأن أَحمِلَ فِي صَدرِي قَلْبًا
مِنْ صَخْرٍ لَا يَلِينَ قُدَّام الإشْفَاقِ،
فُؤَادًا مِنْ جَمرٍ مُسْتَعِرٍ لَا يَنْطَفِئُ،
وَيْ كَأَنَّهُ يَتغَذَىٰ مِنْ أثدَاءِ الجَحِيمِ،
لَمْ أَكُنْ أَعْلَمُ بِأَنَّنِي يَجِبُ أَنْ أَرغَبَ فِي الكَرَاهِيَّةِ والخِداعِ،
أنْ أُعرِضَ عَنِ المَحَبَّةِ والصِّدقِ،
عَنِ مَنطقِ الحَقِّ كَيْ أَعِيشَ بِحُقُوقِ إِنسَانٍ،
كَي أحيَا لَا هَدَفًا لِسِهَامِ الأغبِيَاءِ والأشْرَارِ،
أَلَا تَبًّا لِشَرِيعَةِ الأَبْشَارِ،
سُحقًا لِشَرِيعَةٍ تَبِيعُ الحُرِّيَّةَ وَرَاءَ الحِجَابِ،
تطْرَحُهَا لِأَسْوَاقِ الٱسْتِعبَادِ،
تُجرجرُهَا بِسَلَاسِلِ الطُّغْيَانِ،
تُسيِّرُ عَفْوَ الرَّحمَةِ قِنَاعًا لِشَطَطِ الظُّلْمِ،
تَلُوكُ الأمنَ لقتلِ الأطفالِ والجَوعَىٰ
حَولَ الأفرَانِ المُطفَأةِ فيهَا النِّيرَانُ،
حَولَ مَخَازِنِ الدَّقِيقِ المُغلقةِ بِرَاجِمَاتِ الأحقَادِ،
تلُوكُ السَّلَامَ لتقتِّلَ كُلَّ المُغَايرِينَ،
لتُهَدِّمُ عَليهِمْ كلَّ بِنَاءٍ،
تَجْعَلُ مِنَ العَدلِ مَطِيَّةً لِجَبَرُوتِ
القُوَّةِ المُتسَلطَةِ العَميَاءِ،
تَجْعَلُ الحَقِيقَةَ البَلْجَاءَ وَهْمًا صِنْوَ
هَلوَسَةِ السَّرَابِ،
تَسُوقُ النَّاسَ لِحَظَائِرِ الٱئتِمَار،
لِلذَّبْحِ صِنْوَ الدَّوَاجِنِ والخِرَافِ،
أَلَا تَبًّا لِشَرِيعَةِ الأَبْشَارِ،
أَسْوَأُ مِنْ شَرِيعَةِ البَحرِ البَغْضَاءِ،
إِغْرَاقٌ وٱبْتِلَاعٌ،
أَلَا سُحْقًا لِشَرِيعَةِ الغَابِ الشَّحنَاءِ،
لَا تُجِيدُ سِوَىٰ الخِدَاعِ والٱفْتِرَاسِ،
لَا تَرفَعُ إِلَّا مِيزَانَ القُوَّةِ النَّهمَاءِ،
أَلَا بُعدًا لِشَرَائِعِ الخَفَاءِ النَّكْرَاءِ،
أَكَاذِيبُ تُزَيِّنُ القُيُودَ لِلثَّوَاءِ فِي أَقْبِيَةِ الظُّلْمَاء،
ٱفتِرَاءَاتٌ كَمَا وَابِلٌ مِنَ اللَّعَنَاتِ لِعُبُودَةٍ
جَربَاءَ،أَلآ تُبَابُ سَحِيقَةُ الْهُوَّةِ عَلَىٰ كُلِّ
شَرِيعَةٍ تُشَيِّئُ الإِنسَانَ،
تَجْعَلَهُ عَبْدًا فِي سُخَامِ حَشْدِ الزُّمرَةِ وَرَاء أدغَالِ المَيْنِ،
تَجعَلَهُ خَتُولًا فِي غَطْرَسَةِ غَلوَاءِ البُهتَانِ،
تَجْعَلَهُ مُقَيَّدًا بِٱسْمِ سُنَنِ الأَبْشَارِ،
أَلآ كُلُّ الأَسَفِ عَلَىٰ ٱمْرِئٍ رَغْمَ البُؤْسِ والخَرَابِ،
رَغْمَ الٱحبَاطِ مِنْ غَبَاءِ الشَّرَائِعِ وعَبَثِيَّةِ الأَقْدَارِ،
رَغْمَ قُيُودِ النَّارِ لَا يُوَلِّي وَجْهَهُ صَوبَ النُّورِ،
صَوبَ الخَيْرِ فِي أيٍّ مِن ٱرتِحَالٍ،
أَلَا كُلُّ الأَسَفِ عَلَىٰ بَشَرِيٍّ مُطَهَّمٍ بِلَازِبَةِ الأَهْوَاءِ،
عَلىٰ بَشَرِيٍّ لَا يَكُونُ هُوَ سَابِقُ الظِّلِّ
وظَلِيلُ الرُّوحِ.
من ديوان غربة الٱنتماء لمؤلفه :
المهندس فتحي فايز الخريشا
( آدم )
توثيق: وفاء بدارنة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق