الخميس، 22 فبراير 2024


تسابيح.../ قصة قصيرة

النادي الملكي للأدب والسلام 

تسابيح.../ قصة قصيرة

بقلم الشاعرة المتألقة:ليلى عبد الواحد المراني 

تسابيح.../ قصة قصيرة

ليلى عبدالواحد المرّاني  / العراق

صوته انطلق عميقاً، هادرا كالطوفان، يتغنّى بالوطن، بالأطفال، بوجع الغربة، والحنين. مزّق نشيجها الصمت المقدّس، خاشعةً في حضرته، اعتذرت بإيماءة. هل كانت مصغية تلك المرأة التي لا تزال مسحة جمال عذب تشعّ ألقاً في وجهها، أم نكوصاً إلى عالمها، تسترجع قصّة حكتها لنا يوما. صغيرةٌ ذات ثلاثة عشر عاماً، ورجل أربعينيّ، صديق والدها الذي أعلن إضراباً عن الزواج، أنهاه حين اشتهاها برعماً صغيراً لتوّه يتفتّح.. ينظم الشعر، ويلقيه بصوتٍ هابطٍ من السماء. تفتح عينيها معتذرة، تحني رأسها على مسند الكرسي المتحرّك. الأجواء تعبق برائحة القهوة العربيّة، وأنفاس نساءٍ حارّة متلهّفة لسماع المزيد، وشاعرٌ تقدح عيناه لهباً تارةً، وحبّاً وشجناً تهيم نظراته، تارةً أخرى، وهي الحالمة، يحملها الحنين على جناحَي لوعةٍ واشتياق إلى رجل أصبح أمها وأباها وأخوتها. طفلة صغيرة يلعب معها، ويعشقها ويحتويها مراهقةً، تستشعر الحب أوّل مرّة، ويرتشف رحيق أنوثتها امرأة في الثلاثين، وحارسها وملجأها، حين أقعدها خطأ طبيّ على كرسيّ متحرّك لعين، مشلولةً،  محطّمة... صوته انتشلها من غيبوبتها، 

ماذا تريدين أن تسمعي الآن؟ أنا أنشدُ لك وحدك..

وبصوت هامس معتذر، وقد أحسّت أنه تسلّل إلى عالمها، واكتشفه

 أيّ شيء.. قالت

 كلّ ما تصدح به حنجرتك رائعٌ وجميل. 

سأسبّح للحبّ إذاً، للعشق، وللجمال..

قال، وقد تحوّل صوته من هدير طوفانٍ إلى نغمةٍ عذبة، تعزفها قيثارة سومريّة. وأنشد، وصدح صوته، ورقّ أكثر، وأكثر... أجنحةٌ ملائكيّة حلّقت بنا فوق غيوم بيضاء. .. وبعفويّة بالغة نظرت ُنحوها، مغمضة عينيها، تسبح في ملكوتها، نائمة بوداعة، هكذا تهيّأ لي، وابتسامةٌ طفلة تتواثب فوق وجهها الجميل. أوّل من هتف بجذلٍ طفولي، حين توقّف شلاّل الشعرالقادم من أرض الأحلام، صوتها العذب انطلق

 أعدتني ابنة الخامسة عشر، أريد أن أحلّق، أن أطير..  ألعب مع النجوم..  أحبّ وأعشق..؛  أخرجتني من وقار شيخوختي، يا رجل. 

ولدهشتنا جميعا، قامت منفعلة نحوه.. خطوتان مرتعشتان، وتلقّفتها يد أختها التي ترافقها كظلّها، قبل أن تتهاوى.. وإلى كرسيّها الوقور أعادتها ..

بقلم : ليلى عبد الواحد المراني 

توثيق: وفاء بدارنة 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق