السبت، 22 يوليو 2023


دراسة نقدية  للناقدد. معروف صلاح 

النادي الملكي للأدب والسلام 

لقصيدة الشاعر عدنان يحيى 

عنوان القصيدة : رحيل 

دراسة نقدية  للناقدد. معروف صلاح 

🌹أسعد الله مساءكم بكل خير رواد النادي الملكي للأدب والسلام .🌹

يسرني أن أضع بين أيديكم الدراسة النقدية _التي سبق  عرضها  في فقرة ميزان النقد لقصيدة الشاعر عدنان يحيى الحلقي: "رحيل"  بقلم الناقد الدكتور صلاح معروف . 


عرضها الناقد مقسمة إلى أجزاء ، بدءا بقراءة  في العنوان ، وصف القصيدة وإضاءات على معانيها ،مرورا  باللغة والأساليب والصور الشعرية  والموسيقى الداخلية والخارجية وانتهاء بالمآخذ.

أعرضها لكم اليوم مجمعة ومكتملة لجني اليانع من ثمارها وتحقيق الفائدة المرجوة .

قراءة ماتعة ممتعة أتمناها للجميع .


🌿 النص موضوع الدراسة:


رحيل


دليلي لا يعاكسُهُ السّبيلُ

وقلبي لايفارقُهُ الصّهيلُ


أمَرُّ المرِّ أنْ تعتادَ قَهْراً

ولكنَّ الأمَرَّ هوَ الرَّحيلُ


أرى شمساً وراءَ الغيمِ تبكي

على حلمٍ تَغَمَّدَهُ الأصيلُ


وترسلُ مِنْ مآقيها حماماً

وفي أهدابها هاجَ الهديلُ


كأنَّ الليلَ يومضُ في ضلوعي

نجوماً مِنْ أعاليها تسيلُ


تَعَقَّبَني الربيعُ على عتابٍ

وَ عَيْنُ الصيفِ عَنْ عَصْفي تَميلُ


وَ لي يومٌ يكابرُ أنْ يراني

على رعدٍ يواكبُهُ الهطولُ


دَعِ المعنى تَعجُّ بهِ المعاني

خيولاً في براريها تصولُ


عدنان يحيى الحلقي


🌿 الدراسة :


✨ أولا العنوان : ( رحيل ) 

 إن الناظر لهذه الكلمة التي على وزن ( فعيل ) والتي جعلها الشاعر علما وذاتا على رأس قصيدته سيجدها - منذ الوهلة الأولى -  كلمة واحدة نكرة بدون الألف واللام لإفادة ( العموم والتهويل ) ، ففيها تظهر المفاجأة والأمر الجلل فمن المؤكد أن الرحيل له سبب ، وهي كلمة غير محددة أو مقيدة ، ولكنها تنطوي على عموم وشمول مقصود..

وهي خبر مفرد لمبتدأ محذوف تقديره ضمير الشأن ( هو ) ، وجملته ( هو رحيل ) وهذا العنوان من الكلمات النمطية الشائعة جدا والتي كثر استخدامه قديما وحديثا في نمط الحياة اليومية العادية،

 وفي حقل الحياة الثقافية على وجه الخصوص ،

وهذا العنوان عند قراءته نجده يطرح علينا بعض الأسئلة مثل:  عمن نرحل ؟ ومن أين نرحل؟ وإلى أين الرحيل ؟  ومتى تم هذا الرحيل ؟ وما أسبابه ؟ وما داعيه ؟ وما دواعيه ؟ وهل هذا الرحيل ( رحيل معنوي ) في الروح والنفس والوجدان وداخل الذات ؟ أم ( رحيل حسي حقيقي ) عبر قطع دابر المسافات والفيافي وترك الحدود والتخوم والانتقال من مكان لمكان عبر حاجز الزمان ؟

كلها أسئلة مشروعة يطرحها علينا العنوان ومن المفترض أن تجيب عن مثلها القصيدة   فالعنوان هو البوابة والعتبة الرئيسة التي ندلف ونعبر منها لجسد القصيدة ، ولقد وفق الشاعر فيه بحيث بانت دلالته وظهرت تجلياته ، فهو عنوان ليس بالقصير المخل للمعنى ، وليس بالطويل الممل الذي يسأم منه القاريء ويتأفف..


✨ثانيا وصف القصيدة وشرحها :

القصيدة من القطع الصغير الذي يتناسب مع سرعة العصر الذي كتبت فيه فهي مكونة من ( ٨ ) ثمانية أبيات ، وجرى العرف على أن القصيدة لا تسمى قصيدة إلا إذا بلغت (٧) سبعة أبيات لما في الرقم (٧) سبعة من الكمال . وإذا لم تصل القصيدة لسبعة (٧) أبيات تسمى نتفة أو مقطوعة ..

ويمكن أن نقسم القصيدة - صدد الدراسة - إلى أربعة (٤) أقسام أو مراحل كالتالي : 

١- المرحلة الأولى منها هي ( الإفصاح عن الرحيل ) وقد استغرق الشاعر في هذا المقطع بيتين  (٢) اثنين كالتالي :

وفي هذه المرحلة يقول الشاعر في بيتها (١) الأول  : إنه ابتغى الرحيل ومعه الدليل وخارطة الطريق التي على إثرها سيسير على الطريق والنهج القويم ، و مهجة قلبه ووجدانه تسرع كالخيل الجامح يحمحم ويصهل ولا يفارق الطريق ..

وفي البيت (٢) الثاني يقول :  إن أمَرَّ المُرِّ أنه اعتاد على العسف والظلم والقهر الموجود حوله، والذي جعله يفضل (الرحيل) على البقاء والمكث في كل هذا العذاب. 

وفي المقطع الثاني أو ( المرحلة الثانية  ) : في بيتيها ( ٣-٤ ) الثالث والرابع يقول : إنه رأى شمسا وراء السحاب والغيم والضباب وهذه الشمس تبكي على حلمها الذي تفقده ساعة الأصيل وعند غروب الشمس ودخول الليل .. 

وإنها ترسل من جوف مآقيها حَمامًا ويَمامًا وديعًا مسالمًا يبغي السلامة ويأثر السلام على الخصام وفي سواجي عيونها قد هاج وعلا السجع والصدح والهديل على حاله وحالها الذي يرثى لها.

وفي المرحلة الثالثة  ( تحديد الزمان والمكان ) وفي هذا المقطع ( الثالث ) ببيتيه ( ٥-٦ )الخامس والسادس يخبرنا الشاعر في البيت (٥) الخامس :  مستخدما حرف أو ( أداة ) التشبيه ( كأن ) عن الليل الذي يومض في ضلوعه وكأن للرحيل نجوما تسقط وتسيل من أعالي نواصيها في النفس والذات والروح والوجدان والكيان محدثا كل هذا الوجع وكل هاتيك الآلام والجراح.. و(كأن) الشاعر حدد مكان الرحيل أنه ( وجع نفسي في الذات )ثم ينقلنا الشاعر في البيت  (٦) السادس نقلة وقفزة أخرى بعد المكان محددا : ( زمان الرحيل ) من الشمس والليل إلى فصلي الربيع والصيف ، فالربيع يتعقبه وربما يراقبه ويسير خلفه ويبذل مجهودا كبيرا في العتاب واللوم وفي معرفة خريطة ومعالم الطريق ، وعين الصيف لا تواجهه وعن عصفه كالريح تميل وتفتديه وتبتعد عنه.

 وفي المرحلة الرابعة ( يوم الشاعر المكابر )  وفي هذا المقطع الرابع ببيتيه (٧-٨) السابع والثامن يقول الشاعر ويخبرنا في البيت ( ٧ ) السابع : أن له يوما يعاند ويكابر أن يرى الشاعر في حالة من الرعب والرعد تواكبه الأمطار بالهطول

وفي نهاية القصيدة في البيت ( ٨ ) الثامن الأخير وباستخدام فعل الأمر  (دع) الذي هو بمعني ( اترك ) فيخبرنا ويخبر نفسه أن يدع ويترك المعنى يعج ويمتلأ ويتمحور ويفسره كل إنسان على هواه وحسب مايراه وكأنه ( صهيل الخيول ) الجامحة في براريها وصحاريها تصول وتجول وهي جملة مفتاحية كما بدأ القصيدة في بيتها الأول بذكر القلب الذي لا يفارقه (صهيل الخيول) ختمها في بيتها (٨) الثامن والأخير بذكر (الخيول ) عبر ( نهاية مفتوحة ) تجعل للمتلقي فرصة في أن يتخيل تلك الرحلة النفسية عبر ذاك الرحيل وعبر هذا ( الصول ) تصول وعبر ذاك (الصهيل) تحمحم ببديع المعاني..


✨ثالثا الأساليب في القصيدة:

القصيدة تحتوي على نوعين من الأساليب :  ( ١- الخبرية ٢- الإنشائية ) وتتجلى أولا الأساليب الخبرية : في معظم بقاع القصيدة باستثناء البيت الأخير منها. ومن أمثلة الأساليب الخبرية والحقيقية على سبيل المثال لا الحصر :

١- أسلوب النفي باستخدام أداة النفي ( لا ) الذي يفيد التوكيد في البيت الأول ( دليلي لا يعاكسه السبيل - قلبي لا يفارقه الصهيل ).

٢- أسلوب القصر الذي يفيد التوكيد والتخصيص والترتيب والأهمية باستخدام تعريف ركني الجملة الأسمية المبتدأ والخبر في عجز البيت (٢) الثاني : ( هو الرحيل ) ، فضمير الشأن ( هو ) مبتدأ والضمائر أعرف المعارف ، و( الرحيل ) خبر معرفة مثل قول الله عز وجل: ( هو الله ) ، وكذلك باستخدام التقديم والتأخير بين المبتدأ النكرة والخبر شبه الجملة في صدر البيت (٧) السابع ( لي يوم ) فالجر والمجرور ( لي ) خبر شبه جملة والمبتدأ النكرة  ( يوم ) مبتدأ مؤخر،  وترتيب الجملة الأساسي والطبيعي: ( يوم لي ).

وكذلك تقديم الجر والمجرور ( في براريها ) على الفعل المضارع ( تصول ) في عجز البيت (٨) الثامن والأخير من القصيدة, وترتيب الجملة الأساسي والطبيعي : ( تصول في برأيها ).

ثانيا وتتجلى الأساليب الإنشائية : في أسلوب الأمر باستخدام فعل الأمر ( دع ) الذي يفيد الحث والحض والطلب في صدر البيت (٨) الثامن : ( دع المعنى تعج به المعاني خيولا ).

 هذه أربعة نماذج من الأساليب ، ومن الواضح في القصيدة ندرة الأساليب بنوعيها وتبرير ذلك هو صغر حجم القصيدة. والنسبة بين الخبرية إلى الإنسائية (١:٣) مما يوحي بغلبة الأساليب الخبرية على الأساليب الإنشائية.


✨رابعا جماليات الصور

 والتعبيرات المجازية من ( تشبيهات واستعارات )

منها على سبيل المثال وليس الحصر :

١- الاستعارات المكنية والتصريحية ومنها :

( يعاكسه السبيل ) ، (يفارقه الصهيل ) ، ( تعتاد قهرا ) ، ( شمسا وراء الغيم تبكي ) ، ( ترسل من مآقيها حمامّا ) ، ( تغمده الأصيل )  ( هاج الهديل ) ، ( نجوما من أعاليها تسيل ) ، ( يوم يكابر أن يراني ) ، ( تعج به المعاني خيولا تصول ) ، ( يراني على رعد ) ، ( رعد يواكبه الهطول ).

٢- التشبيه البليغ : ( هو 'الأمرّ' الرحيل ).

٣- التشبيه التمثيلي : تشبيه حالة بحالة منتزع من البيئة ( كأن الليل يومض في ضلوعي نجوما ).

٤- المجاز المرسل علاقته الجزئية والزمانية ( عين الصيف عن عصفي تميل ) ، ( يوم يكابر أن يراني ).

ومن الحق أن نقرر أن النص على صغرحجمه يعج ويمتلأ بالصور البيانية البلاغية كعادة القصائد الإحيائية ذات اللفظ التراثي الجزيل الرصين المناسب لشريف المعاني ، فاللفظ على قدر المعنى، والشاعر موفق في استخدام ألفاظه وصوره ومعانيه بصورة متميزة.


✨خامسا الموسيقا في القصيدة : 

تنقسم الموسيقا إلى نوعين  : ( ١- موسيقا خارجية ٢- موسيقا داخلية ).

أولا الموسيقا الخارجية الجلية تتضح وتتمثل 

في ( الوزن والقافية  والتصريع والجناس الناقص ) :

 ١- الوزن : القصيدة عبارة عن مقطوعة صغيرة بمثابة ( معزوفة دالية ) ثمانية أبيات موزونة على تفعيلات بحر الوافر (مفاعلتن ) وله عروض واحدة ( مقطوفة ) ، لأن القطف اجتماع  الحذف  والعصب ، فيحذف السبب الخفيف من آخر (مفاعلتن)  ويسكن الخامس المتحرك فتصير ( مفاعلتن ) فيها إلى ( مفاعلٔ ) وتحول إلى ( فعولن ) ولها ضرب واحد مماثل لها وعليه يصبح وزن البحر : ( مفاعلتن مفاعلتن فعولن ) مكررة (٢) مرتين في كل بيت من أبيات القصيدة . 

ولقد استخدم الشاعر تفعيلات القصيدة ( معصوبة ) والعصب تسكين الخامس المتحرك من تفعيلة ( مفاعلتن //٥///٥ ) فأصبحت ( مفاعيلن //٥/٥/٥ ) وكررها في القصيدة ( ١٥ ) خمس عشرة مرة  ليقلل من سرعة الرتم ويبطىء من سرعة التفعيلة لتناسب الحزن ولتأخر زمن ومسافة الرحيل

٢-التصريع :  والتصريع يخص البيت الأول فقط من القصيدة بحيث يتفق أخر حرف في الشطر ( اللام ) مع آخر حرف في الشطر الثاني (اللام ) يتفق العروض ( سبيل ) مع الضرب  ( صهيل ) في نهاية الحرف الأخير اللام المضمومة ( السبيلُ  -  الصهيلُ ) وتعطي جرسا موسيقيا ونغمة تستريح لها الأذن وتعمل على شحذ العقل وحفظ القصيدة.

٣- الجناس الناقص :   شحيح ونادر في القصيدة وموجود على استحياء 

في مثل قول الشاعر : ( أرى - وراء ) ، ( تميل - تسيل ) ، ( الصيف ، عصفي ).

٤- القافية الخارجية : 

قافية هذه القصيدة  (متواتر ) مردوفة ( بالياء والواو ) ، ورويها المطلق  (الدال) وحركة مجراه (الضمة) ، وبيان ذلك كالتالي : القافية تحسب من أول متحرك يليه ساكنين من أخر القصيدة وهي هنا أصوات بعض كلمة  كما يلي : ( هيلُ - حيلُ - صيلُ - ديلُ -  سيلُ - ميلُ - طولُ - صول ) واسم هذه القافية ( متواتر )  فصل بين الساكنين حرف متحرك واحد محصور بينهما على وزن ( فعْلنْ ) ، وروي هذه القصيدة روي مطلق وهو حرف ( الدال المضمومة ) وحركة ( مُجراها ) : الضمة ، ومردوفة بحرف العلة الياء في الستة (٦) أبيات الأولى ، ومردوفة بحرف العلة الياء في اخر بيتين  (٧-٨) السابع والثامن.


سادسا الأفعال في القصيدة ( ماضي - مضارع - أمر ) :

١- أفعال الأمر التي تفيد الحث والحض والتشجيع : ورد في القصيدة فعل واحد يتيم هو ( دع ).

 ٢- أفعال الزمن الماضي : ومن أمثلة الأفعال الماضية التي تفيد الثبوت والتوكيد والاستقرار ، والتي تكررت ثلاث مرات كالتالي : ( تغمده - هاج - تعقبني )

 ٣- الأفعال المضارعة الآنية : وقد تكررت في القصيدة (١٤) أربع عشرة مرة وهي تفيد استحضار الصورة في الذهن والتجدد والتتابع والاستمرار ، وجاء ذكرها كالتالي : ( يعاكسه -  يفارقه - تعتاد -  يكابر -  ترسل - تبكي - يومض - تسيل - تعج - تصول - أرى - تميل - يراني - يواكبه ).

ومن خلال حصر أفعال القصيدة يتبين غلبة الأفعال المضارعة على الماضية وعلى الأمر لدلالة إحياء وتتابع واستمرار الرحيل واستحضاره في الذهن بصورة متوالية ومتتالية. والنسبة بين الأفعال بيانها كالتالي : المضارع ( ١٤ ) أربعة عشر فعلا ، والماضي ( ٣ ) ثلاثة أفعال ، وافعال الأمر فعل (١) واحد  والنسبة هي : ( ١٤ : ٣ : ١ ).


سابعا الوحدة العضوية

 في القصيدة :

المقصود بالوحدة العضوية ( الفنية ) هو الترابط بين الشكل والمضمون والجو النفسي ، فهل تحققت الوحدة  العضوية في القصيدة مع العلم إن القصيدة تصنف من الشعر ( الإحيائي الكلاسيكي الحديث ) المتحد في الوزن والقافية ، وعند المدرسة الإحيائية القصيدة مفككة إلى أبيات والبيت الواحد هو وحدة بناء القصيدة ؟

 إن الترابط في وحدة بناء الشكل وانسجام الموضوع ( المضمون ) من أولويات القصيدة خاصة حين  يتمازج الفكر والمضمون

 مع الجو النفسي الملائم والمناسب الوجدان ، فالقصيدة مثل جسد الكائن الحي كل عضو من أعضائه مركب في مكانه المناسب يؤدي وظيفته على أكمل وجه ، والقصيدة مثل حبات العقد يجب أن يطرز خرزها في نظام خاص مثل  اللؤلؤة الكبيرة والجوهرة الثمينة تقع في المنتصف ثم يليها عن اليمين والشمال حبات أصغر فأصغر حتى ينتظم العقد الفريد، ويكون بمثابة نظرية  ( النظم ) عند عبد القاهر الجرجاني... فالكلمات يجب أن ترص بجانب بعضها كا لطوب في البناء الحسن يشد بعضه بعضا...

وهذا ما حاول شاعرنا أن يفعله في قصيدته حين تعرض لموقف ما ( مؤثر ما ) فمسك قلمه يعبر عن الرحيل فجاءت مفرداته تتسق مع الموقف الذي تعرض له وعبر بكل أحاسيسه الجياشة ؛ ولذلك جاءت قصيدته على  (٤) أربعة أفكار رئيسة يحويها ويلضمها ويضمها عنوان ( الرحيل ) يجمعها جميعا حوله .. نعم تحققت الوحدة الموضوعية والعضوية في القصيدة برغم انقسامها لأفكار كلها تصب في فكرة واحدة هي الرحيل  ، وتناسق وتمازج الفكر بالوجدان( العاطفة ) في القصيدة ، فالشاعر الجيد هو من يفكر بقلبه ويشعر بعقله ويمزج عاطفته الجياشة بأفكاره المنمقة؛ ولذلك يكتب لمثل هذا النوع من الشعر الخلود ، ويكون صالحا في أي بيئة وأي زمان وأي مكان ؛ لأنه يتعامل مع المشاعر الإنسانية وكما يقول 

شاعر نا : ( أمر المر أن تعتاد قهرًا  ....  ولكن الأمرَّ هو الرحيلُ ) نعم الأمرًُ هو الرحيل.


ثامنا خصائص أسلوب الشاعر :

١- استخدام المفرد والجمع ويظهر ذلك جليا في ( المعنى - المعاني ) ،

 ٢- استخدم الشاعر ظاهرة تكرار الكلمات التالية من أدوات النفي وحروف الجر بغرض التوكيد مثل : ( لا - لا ) ، ( من - من ) ، (  في - في ). ( على - على - على ).

٣- ظاهرة استخدام الكلمة ومستلزماتها التي تفيد التوكيد  مثل: ( خيولا ) ومستلزماتها ( الصهيل - تصول )

ومثل كلمات ( أمر - المر - الأمر ) ومستلزماته ( التعود على القهر ثم الرحيل )، استخدم ( شمسا ) ومن مستلزماتها ( الغيم - الأصيل ) ، واستخدم ( الحمام ) ومن مستلزماتها ( الهديل) ،واستخدم  ( الليل ) ، ومن مستلزماته ( ومض ) ، استخدم  ( السبيل ) ومن مستلزماته ( لا يفارقه  )

استخدم ( مأقيها ) ومن مستلزماتها ( اهدابها ) ، واستخدم ( الرعد ) ومن مستلزماته ( عصفي - الهطول )

٤- استخدام جموع التكسير (٩) تسع مرات  مثل : (  خيولا - براريها - المعاني - نجوما - أعاليها - ضلوعي - أهدابها -  مآقيها - حماما  )

٥- استخدام اسم الجنس (٣) ثلاث مرات مثل ( الليل - الغيم - حمام ) والذي مفرده بزيادة التاء المربوطة ( ليلة وغيمة وحمامة ).

٥- استخدام الاسم المفرد المذكر ( ٢٠ ) عشرون مرة ، وتفضيله على المفرد المؤنث بدليل أنه لم يذكر  إلا اسما مفردا مؤنثا مرتين (٢) في القصيدة هو ( شمسا - عين ) ، والمفرد المذكر كالتالي : ( دليلي -  السبيل -  قلبي -  الصهيل -  المر - قهرا - الأمر - الرحيل -  شمسا - الأصيل - الهديل -  الربيع - الصيف -  عتاب - عصفي - يوم - رعد -  حلم - الهطول ).

٦- استخدام الشاعر الجمل الاسمية في مقابل الجمل الفعلية وشبه الجملة بصورة تكاد متعادلة ما يعادل أكثر من أربع (٤) أو (٥) خمس مرات من كل نوع.

٧- استخدام الشاعر الفاعل الظاهر (٧) مرات كالتالي : [  السبيل - الصهيل - الربيع - الأصيل - الهديل -  الهطول - المعاني] ، وكذلك استخدم الفاعل المستتر  ( ٨ ) ثماني مرات) هي : ( تعتاد أنت ، أرى انا شمسا - ترسل هي -  يومض هو -  تبكي هي -  تسيل هي -  تميل هي - يكابر هو ) في مقابل ( ٦) ست مرات للمفعول به كالتالي : (قهرا - شمسا - حماما - نجوما - المعنى - خيولا ) ، وكلها تخدم المعنى وترفع من شأن القصيدة، والشاعر موفق  جدا فيها.


تاسعا المآخذ على القصيدة :

 أولا من حيث الشكل الطباعي :

 كتابة تنوين الفتح المنصوب فوق الألف هكذا ( قهراً - شمساً - حماماً -  نجوماً - خيولاّ ) الأفضل أن يوضع هذا التنوين بالفتح على الحرف الذي قبل الألف هكذا ( قهرًا - شمسّا - حمامًا - نجومًا - خيولًا ).

ثانيا من حيث المضمون :

١- كلمة ( يعاكسه ) في البيت الأول هي أقرب ( العامية الدارجة ) ، وأقرب في الاستخدام اليومي لرجل الشارع مما يوحي بالمعاكسة والمشاكلة والبصبصة والمشاكسة في الطريق المخالف ، ومن المفترض أن النص يدرج ويندرج ضمن نصوص المدرسة الإيحائية : ( الكلاسيكية الجديدة ) التي أسسها أمير الشعراء أحمد شوقي والتي تهتم باختيار اللفظ التراثي الرصين القوي الجزل في موضعه مع جودة السبك وشريف المعنى، وكان من الممكن استبدالها بأي كلمة أخرى على وزن (مفاعلتن) تؤدي نفس الغرض بكفاءة مثل : ( يشارفه - يشارقه - يشاركه - يباركه - بجانبه - يواصله - يجافيه - يحاذيه - يباشره ) أو أي كلمة أخرى تستثيغها مخيلة الشاعر.

٣- كلمة ( شمسا ) هي مناط القصيدة كلها وهي غير واضحة هل هي ( تورية ) وتحمل معنيين القريب غير المراد وهو الشمس على حقيقتها كنجم ظاهر  وقابع في السماء أم هي رمز جلل ( للمحبوبة ) وهو المعنى البعيد المراد الذي يفتح آفاق القصيدة على أسئلة (العنوان) ما سبب الرحيل ؟ وإلى أين المنتهى بعد ذلك ؟  أين المكان الذي رحلت فيه الروح ؟ وما بلاد الغربة ؟ وماذا فعلت المحبوبة حتى يرحل لها أو عنها الشاعر ، وكأن الرحيل منبسط على الفراغ والرحيل النفسي والنهاية المفتوحة وأثرها ، فلم تبين لنا القصيدة أو تجب على مثل هذه الأسئلة ربما لصغر حجم القصيدة نسبيا .

٤- بدليل أن كلمة  ( تعقبني) واستخدامها مع ( الربيع ) قلقة في مكانها؛ لأن التعقب يشعرنا بالمراقبة في السوء والجزاء في مقابل ( عين الصيف ) التي تمتد وتميل عن عصف الشاعر وزجه بالرياح في الرياح...

٥- كلمة ( رعد ) التي توحي بالبرق وسوء الصوت ، ولامع خطف الضوء والمطر فمن الأجدر والأحسن أن تكون ( رغد ) - بإ ضافة نقطة فوق حرف العين - حتى يتبين فيها حسن وطلاوة العيش وسعته أفضل من الخوف المصاحب للرعد مع سوء المنقلب .

٦- في نهاية القصيدة جملة ( دع المعنى ) فيها أمر وحض وحث وطلب للمتلقي أن يدع المعاني المحددة وأن يدع المعنى يعج ويمتلأ بالمعاني كالخيول التي تصول في براريها مما جعل القاريء في ( حيص بيص ) لا يعرف  كيف يكون ختام القصيدة ؟كيف يختتم القصيدة فهل المتلقي هو الذي يهتم  ويختم رحلة الرحيل للشاعر ؟؟؟ الذي هو بالأحرى رحيل نفسي داخل روح الشاعر وقلبه وفؤاده.

٧- برغم أن الشاعر حاول أن يجمع القصيدة في سلك منتظم بدليل وضع (عنوان) لها يحمل الدلالات المختلفة للقصيدة إلا إنها لم تلتحم في خيط درامي واحد منسجم ، ففيها بعض التفكك الهين فلم ترتبط بترتيب الأبيات المتعاقبة تلو بعضها البعض كعادة الشعر  التراثي الخليلي النمطي ، وكعادة مدرسة الإحياء التقليدية.

٨- يعاب على آلة الرحلة في القصيدة كونها ( الخيول ) آلة نقل قديمة ؛ نظرا لأنها لا تتناسب مع سرعة العصر في وسائل مواصلاته الحديثة والمختلفة والسريعة والمتطورة ،

ويمكن الرد والدفاع عن الشاعر يقولنا أن الخيول رمز الفتوحات العربية ورمز للقوة والثبات والحضارة حتى أن الرسول قال عن الخيل :  ( الخيل معقود بنواصيها الخير ليوم القيامة ) صدق الرسول الأعظم.


وفي النهاية القصيدة رائعة وجميلة ، وتستحق أن نشكر الشاعر عليها ، فلقد حازت على (٨) ثمان ( درجات ) كاملة، وهي درجة عالية جدا في عالم النقد فالتحية للشاعر القدير.

توثيق: وفاء بدارنة 



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق