*** حنين بلا جدار. ***
النادي الملكي للأدب والسلام
*** حنين بلا جدار. ***
بقلم الشاعرة المتألقة: نور شاكر
قصة قصيرة
*** حنين بلا جدار. ***
بقلم :نور شاكر
لم تكن "ليان" تطلب الكثير من الحياة كل ما أرادته أن تكون محاطة بقلوب صادقة، بأيدٍ إذا مُدّت يدها للإمساك بها وجدت دفئًا لا خذلانًا كانت أحلامها بسيطة كنسمة صيف تبحث عن مرسى آمن لقلبها الذي ما فتئ يُفرط في العطاء
لكن الحياة، كعادتها كانت تُجرّدها من أوهامها واحدًا تلو الآخر، تُسقط قناعًا بعد قناع لتُظهر الحقيقة عارية بلا رتوش
حين سقطت أول مرة نهضت بسرعة ظنًا منها أن السقوط خطأ عابر كعثرة قدم في طريق مستوٍ وفي المرة الثانية بررت الخذلان بأنه "سوء فهم" محاولة يائسة لتجميل قبح المواقف ثم جاءت الثالثة، والرابعة، والعاشرة… وكل مرة كانت تُسقط عن كتفها أحد الأقنعة التي نسجتها حول الوجوه التي أحبتها لتكتشف أن تلك الوجوه التي لطالما منحتها ثقتها وحبها لم تكن يومًا لها كانت مجرد أصداف فارغة تلمع من الخارج
كانت تلك التي تعطي من قلبها دون حساب تسقي الآخرين من بئر عواطفها المتدفقة حتى كادت تجف تبكي خفيةً في ظلام الليل تُخفي دموعها كأنها جريمة كي لا تُثقل أحدًا بحزنها الذي كان يتضخم يومًا بعد يوم كانت تمد يدها لكل من احتاج حتى عندما كانت يداها فارغتين تستعير من روحها لتسد رمق الآخرين
لكن عندما احتاجت، عندما ضاقت بها السبل وأصبحت روحها على حافة الهاوية لم تجد أحدًا لا يد تمتد لترفعها لا كلمة مواساة تُهدئ روعها
عندما ضاقت بها الأرض طرقت أبواب العائلة التي كانت تعتبرها سندها الأبدي ففتحوها بوجوه باردة وعيون خالية من الدفء، وقالوا بنبرة قاسية لا تخلو من اللوم: "كوني قوية، الحياة لا تنتظر الضعفاء" لم يروا جرحها بل رأوا ضعفًا يستحق النقد طرقت أبواب الأصدقاء الذين تقاسموا معها الضحكات والليالي الطويلة
فردوا ببرود أكثر قسوة:
"أنتِ تُبالغين، الأمور ليست بهذه السوء." وكأن ألمها مجرد وهم اخترعته روحها المرهقة رفعت عينيها للسماء الداكنة وهمست بصوت مبحوح يكاد لا يسمع: "أما من أحدٍ يسمعني؟ أما من قلبٍ يرق لحالي؟"
وفي تلك الليلة التي بدت أطول من أي ليلة مضت، جلست على طرف سريرها، والوحدة تلفها كوشاح ثقيل أخذت تُقلب صورها القديمة صورًا تذكّرها بابتسامات كانت صادقة، وضحكات كانت تملأ المكان ضحكتها بعينٍ دامعة تهزأ من سذاجتها وتهمس بصوت كسير:
"كنت أظن أنني أمتلك عائلة، وأصدقاء وسندًا لا يميل…
ولم أكن أملك سوى ظلّي، الذي لا يفارقني حتى في أحلك الظروف
كانت تلك اللحظة هي نقطة التحول اللحظة التي انكسر فيها كل شيء داخلها لينبثق منه شيء أقوى لم يكن حزنها نهاية العالم بل بداية عالم جديد ثم نهضت، وكأن قوة خفية قد دبت في أوصالها وكتبت على مرآتها بخطٍّ مرتجف لكن يحمل في طياته قرارًا لا رجعة فيه
"من اليوم، سأكون لي… لن أنسى هذا الوجع، لكنني سأتعلم منه"
"ولن أطلب من أحد أن ينقذني بعد الآن فليستيقظ الوحش النائم بداخلي"
ومن يومها، لم تعد ليان تلك الفتاة الهشة التي تنتظر يدًا تمتد إليها بل أصبحت تلك التي تسير وحدها بثبات بخطوات واثقة وعينين تريان الواقع بوضوح مؤلم لكنه حر أصبحت تُرمم قلبها كل مساء قطعة قطعة تُجبر كسوره بصمت وتزرع فيه بذور الأمل من جديد وتُضيء شمعة في دربها كل صباح لا تنتظر نورًا من أحد، بل تخلق نورها الخاص، حتى وإن كان الجميع قد أطفأوا أنوارهم من حولها غارقين في ظلامهم أدركت أن أقوى العلاقات هي تلك التي تبنيها مع ذاتك وأن الحنين الحقيقي لا يحتاج لجدار يسنده بل لروح قوية تستطيع الوقوف بمفردها لقد أصبحت ليان زهرة تُزهر في العراء، لا تحتاج لسند سوى إصرارها على الحياة.
توثيق: وفاء بدارنة


ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق