***في عتمة الحافلة ***
النادي الملكي للأدب والسلام
***في عتمة الحافلة ***
بقلم الكاتب المتألق: تيسير المغاصبه
"في عتمة الحافلة "
سلسلة قصصية
بقلم: تيسيرالمغاصبه
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
رفيقة مؤقته
-١-
لم يكن ذلك الموسم موسم سفر وإجازات ،
كان المسافرون يشكلون ربع المقاعد ..فقط ،في
الطابق الثاني للحافلة إتخذت موضعي في مقعد
من المقاعد الأربعة الأولى المطلة على الطريق مباشرة،أمام الزجاج الذي يبدو مظللا ولا يمكن من في الخارج من رؤية من في الداخل.
أصبحت فوق مقعد قائد الحافلة مباشرة ،وفي عالم ساحر.
أحب السفر في الليل ..وأحبه أكثر في الشتاء ،
وهذه المرة يصادف سفري في الليل ..وأثناء هطول المطر الغزير معا ..يالسعادتي الغامرة؛الليل والمطر.
لن أفعل أي شيء في تلك الرحلة سوى النظر ..
النظر فقط ،
الهدوء ..والتأمل ..والصمت ؛ذلك أكثر ماأحبه أيضا في
السفر ،
القلب الخالي من أي نبضات ،أعني نبضات الحب.
فألتي عشقتها في السابق ،لم أعد أعشقها اليوم
أبدا ،الزمن تغير ..حتى الصوت المنبعث من
سماعات الحافلة لم يكن ذلك الغناء الرائع الأصيل كما في الماضي.
فأنه غناء هابط وأصوات قبيحة،نشاز.
فقد يكون ذلك النشاز الوحيد في تلك الرحلة ،
وقفت ونظرت إلى الخلف كانت بعض الرؤوس
تتمايل مع الصوت القبيح المنبعث من سماعات
الحافلة ؛لاعجب فأن الفن الهابط أيضا له جمهوره
الهابط.
الجمال له عشاقه ..والقباحة أيضا لها عشاقها ،
جلست في مكاني ثانية ،نظرت إلى ساعتي ..بقي
خمسة دقائق فقط على إنطلاق الحافلة ،الأجواء شبه
مظلمة بسبب إكتظاظ الغيوم القاتمة في السماء،
فبدا الغروب ساحرا للناظر،
وضعت سماعة هاتفي في جيب الجاكيت ،كذلك
الهاتف ..لاأريد الانعزال عن تلك الأجواء الرائعة،
حتى لن أقرأ في الكتاب الذي لايفارقني طوال رحلاتي ،لأن الكتاب يأخذني إلى عالم أخر ..عالم
بعيد جدا،وأما ما أريده الأن هو البقاء هنا. خصوصا بعد أن إنهمرت الأمطار بغزارة
في الخارج وبدأت بطرق النافذة ،
إنحنت إلي قليلا فبدت كالحلم الجميل ،إنسدل
شعرها الأسود أمامي كالستارة ..لم تكن تضع
على وجهها أي من المساحيق ولهذا بدا جمالها
الطبيعي ساحرا ،
همست إلي بصوت رقيق ..خافت محاولة أن
تزيد من إنوثتها ورقتها بالرغم من إنها ليست
بحاجة إلى ذلك الابتذال ،فكانت كلما تكلمت أبدأ
إجابتي ب"لماذا ياآنستي ؟"
-هل يمكن أن نصبح رفقاء صفر طوال الرحلة فقط
للتحدث والمؤانسة؟
-بكل سرور آنستي تفضلي .
-لكني أرغب بالجلوس على مقعدك أنت ؟
ثم إبتسمت وتابعت :
-هل هذا ممكن ؟
-بالطبع ممكن تفضلي.
تقدمت في اللحظة التي وقفت بها ..بينما كنت
أعتقد بإنها ستنتظر حتى أنهض وأخرج إلى الممر
ومن ثم تجلس هي ،لكن وبلا قصد تحركنا معا
وفي نفس الوقت ،تلك الحركة التي تحدث كثيرا
بلا قصد ،لامست وجنتي وجنتها الشديدة
النعومة ،قلت بارتباك مخفيا ما شعرت به من خدر:
-أعتذر آنستي ؟
إبتسمت إبتسامتها الساحرة وقالت :
-لاعليك ..أنا التي ينبغي عليها الاعتذار ههههه.. أنا المخطئة؟
فأنبعث عبير أنفاسها العطرة لتلهب عنقي فيسري
الخدر في جسدي بأكمله.
جلست هي على مقعدي لتصبح منزوية في الداخل
بينما أنا على المقعد الثاني إلى جانب الممر ،
قالت :
-أنا أسمي غروب ،وأنت ماأسمك ياعزيزي؟
-أنا إسمي غريب .
-من نظرتي الأولى إليك ياغريب عرفت بأنك غريب عن الجميع ..ماقصدته أنك إنسان فريد من نوعك؟
-أشكرك على الإطراء ،أما أنا فمن نظرتي الأولي
إليك عرفت أنك أميرة متوجة على عرش الجمال.
-ههههه مديح راق ،أشكرك..لكن تذكر أنا مجرد
رفيقة مؤقته في رحلة ستنتهي ومن ثم سنفترق ،
لذا لا تبالغ في مغازلتي حتى لا تتعلق بي كثيرا؟
- أعتذر..لكن هذه هي الحقيقة ،وثم لاضير من ذلك.
-لكني لاأريد منك بعد إذن أن تعتبرني تجربة عاطفية صعبة خرجت منها ؟
تفاجأت من كلامها ،وماأدراها بتجاربي السابقة!؟،
فقلت :
-عفوا ..هل تعرفينني من قبل ذلك .
لم تجيبني على سؤالي لكني قلت مطمئنا:
-على أي حال لاعليك لو حدث ذلك فعلا فأن المشكلة في تلك الحالة ستكون مشكلتي انا؟
-إذن إتفقنا.
-أتمنى أن لايأخذ أسمك من الواقع سوى جمال
الغروب ،والباقي كله شروق ؟
لم أفهم ردها بسبب صوتها الخافت الرقيق لكني
حاولت الاعتياد عليه ،فقلت :
-هل أنت ذاهبة برحلة عمل أم هي فقط رحلة سياحية؟
-تقريبا سياحية،
-وحدك ؟
-هههههه نعم وهل ترى معي احد؟
-نعم هذا صحيح.
-وأنت؟
-ماذا .
-وحدك؟
-الأن بعد أن إلتقيتك لم أعد وحدي .
-ههههههه أنت شقي جدا.
-لماذا آنستي؟
-تقل ذلك بالرغم من أني أخبرتك بأنها ساعات قليلة وسنفترق.
-أن الدقيقة الواحدة معك سأستبدلها بعمري بأكمله.
"يتبع..."
بقلم : تيسيرالمغاصبه
توثيق: وفاء بدارنة