نجاة" : حكاية صبر لا ينتهي
النادي الملكي للأدب والسلام
نجاة" : حكاية صبر لا ينتهي
بقلم الشاعرة المتألقة: نورة طلحة
"نجاة" : حكاية صبر لا ينتهي
نجاة، المرأة التي كرّست حياتها لتكون أمًّا وزوجة مثالية، كانت رمزًا للقوة والتضحية. نشأت في البادية، حيث مفهوم الطفولة يختلف تمامًا؛ طفولة سُرقت منها مبكرًا حين أُجبرت على الزواج وهي لا تزال طفلة في الخامسة عشرة. انتقلت من حياة بسيطة في البادية إلى حياة جديدة في المدينة، لتعيش وسطًا اجتماعيًا مختلفًا، حيث زوجها المثقف ينتمي لعائلة تقدّر العلم . ورغم هذا التباين، استطاعت أن تجد مكانها، وأن تبني أسرتها بشغف وتفانٍ لا يعرفان التعب.
حياتها لم تكن سهلة، لكنها كانت غنية بالمحبة والالتزام. بين زواجها المبكر، الحمل المتكرر، وتربية أبنائها، لم تكن تعرف معنى الراحة أبداً. كانت ترى في تنظيف منزلها ورعاية أسرتها طقوسًا مقدسة تؤديها بكل حب وإخلاص. لم تشكُ يوماً، بل ظلت تثابر، ووهبت شبابها وصحتها دون أن تنتظر أي مقابل.
لكن الزمن كان له حُكم آخر، وقد شاء القدر أن تواجه نجاة تحديًا لم يكن في حسبانها. في أحد أيام يناير الباردة، بدأت تشعر بآلام غير مفهومة، ترافقها نزيف رحمي متكرر. حاولت تجاهل الأعراض، لكن الألم كان يزداد يومًا بعد يوم. وعندما استشارت الأطباء في مختلف البلدان، جاء التشخيص غامضًا ومقلقًا: "مرض نادر "، هكذا وصفه الأطباء، تباينت التشخيصات في كونه سرطان حميدا أو خبيثا.
رغم معاناتها، احتفظت نجاة بنظرتها المتفائلة وإيمانها الذي لا يهتز. وجهها الذي بدت عليه آثار السنين والتعب كان يضيء بنور الصبر واليقين. حين تستقبل أبناءها وأحفادها، تجد في تلك اللحظات عزاءً روحيًا يعيد إليها قوتها. كانت تعتبر ولادة مولود جديد في أسرتها رسالة من رب العالمين، تقول لها إن الحياة محطة عبور مؤقتة، وإن الغد يحمل أسراره التي لا يعلمها إلا الله. آمنت أن المرض، رغم قسوته، ليس سببًا حتميًا للموت، بل قد يكون فرصة لاكتشاف أعماق الصبر والإيمان، ولتقدير كل لحظة تهبها الحياة.
مع كل يوم يمر، كانت نجاة تخوض معركة جديدة مع المرض. عاشت عامًا كاملاً في صراع لا يهدأ، مع آلام جسدية ونفسية أثقلت كاهلها. ومع ذلك، لم تفقد محبتها للحياة أو نشاطها الذي كان يمنح أسرتها الأمل. لم تتخلَّ عن دورها كجدة، وأم، وزوجة. كانت تجد في أسرتها مصدرًا للقوة، وفي حبهم لها دعمًا يمدها بالطاقة لمواجهة الألم.
نجاة لم تكن مجرد مريضة؛ بل كانت حكاية حياة مليئة بالتضحيات والتحديات، ومرآة تعكس قوة المرأة حين تواجه مصاعب الحياة بابتسامة تحمل بين طياتها صبرًا لا حدود له.
القصة الأولى من سلسلة "نجاة" رحلة حياة تتحدى الموت.
بقلمي نورة طلحة.
المغرب.
توثيق: وفاء بدارنة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق