*** العزلة. ***
النادي الملكي للأدب والسلام
*** العزلة. ***
بقلم الشاعر المتألق: طلعت كنعان
*** العزلة. ***
حين يعم الصمت اجلس بهدوء على طاولتي، ارتشف قهوتي، أرى جحافل العمر تمر قربي، فألقى عليها النظرة الأخيرة، دون أن أودعها، فقد مللت من لحظات الوداع.
وعلى مقربة مني تجلس ملائكتي وشياطيني يغرقون بنقاش بليد حول حياة راحلة وموت لا نعرف نهايته، فينتصر المجهول بحروفه الصماء وموسيقاه القاتمة التي لا تسرق شعاع الشمس، ولا تتذوق صوت العصافير لا تشعر بنسمات الهواء الباردة، ولا يروعه أمواج البحر، حين تصارع همجية الأعاصير.
ولا تنظر قوس قزح ونسيجه الغريب
بل تنظر سرعة القطار وعقارب الساعة ومصير السنوات القادمة ورحيل الساعات بغياهب الماضي وذوبان الغيوم، فتغرق بزخات الشتاء الذي أعلن قدومه.
أتحدث وإياهم بلغة غريبة، ويتحدثون إلى بلغة عجيبة يتخللها الرقص وحركات أقرب إلى حركات السحرة، فأخاف أن يقهر إرادة التحدي التي أعاشرها فانتفض واقفا متحديا جهلهم وابتعادهم عن الواقع.
بالحقيقة هم لا يفهمون حروفي ولا حتى كلماتي ولا ما أعنيه بحركات فمي، ولا عيوني.
وأكره أن أفهمهم
يتكلمون بضحكات بهلوانية
انظر إليهم مزدري
وأرد عليهم بصمت الصمت
فأنا أكره دعابتهم، حين يحاولون أن يكتشفوا أسرار
شياطين وحدتي، ويدقون كؤوساً من خمر الخطيئة بحركات بهلوانية
ويسكنون قريبا من حفرة رأسي
أحيانا أحاول أن أناقش وحدتهم، يطرقون أبواب صمتي، ويغنون للشرود من الذات والتقوقع بفوهة قنينته من الحيرة والعزلة.
لأني أعلم أنهم خلقوا من نار فحرارة أفواههم داهية تقتل سكون وحدتي، وصمت همساتي وابتعاد كلماتي.
أضع صوت أم كلثوم
ابتلع قهوتي
وأشعل السيجار لأحرق رقصهم على مسرح صمتي ووحدتي
ولكن حين أفيق من حلمي اشتاق إلى شياطيني
لولاهم لقتلني الزهق والوحدة مع فنجان قهوتي لفقد قدرتي على الصراع مع عزلتي.
بقلم : طلعت كنعان
توثيق: وفاء بدارنة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق