الأحد، 15 سبتمبر 2024


***قمر في سماء الحياة***

النادي الملكي للأدب والسلام 

***قمر في سماء الحياة***

بقلم الشاعرة المتألقة: تورة  طلحة

عنوان القصة: " قمر في سماء الحياة"

في قرية صغيرة محاطة بالجبال الشامخة والحقول الواسعة، عاش فلاحان بسيطان، عليّ وزوجته أمينة. كانا يعملان بجدٍ في حقولهما، يزرعان الأرض بحب ويرويانها بعرق جبينيهما، وكأنهما يخطّان قصتهما بين سنابل القمح وأشجار الزيتون. ورغم حياتهما البسيطة المملوءة بالعطاء، كان ينقصهما شيء واحد: طفل يملأ البيت بالحياة والضحك.


كل مساء، كان عليّ يجلس على عتبة البيت، ينظر إلى السماء التي تزينها النجوم، ويتنهد. كان يقول بصوتٍ ملؤه الأمل والحنين: "متى سنرزق بطفل يملأ حياتنا مثل هذه النجوم التي تزين السماء؟". وكانت أمينة، بقلبها الصابر، تبتسم رغم ألمها، وهي تدعو الله أن يحقق لهما هذه الأمنية.


مرت السنوات كأوراق الخريف المتساقطة، واحدة تلو الأخرى، دون أن يشعرَا بفرحة الولادة. حتى كاد الحزن أن يتسلل إلى قلبيهما، لولا إيمانهما العميق بأن الفرج قريب.


وفي يوم من الأيام، بعد سنوات طويلة من الانتظار والصبر، أشرقت شمس جديدة في حياتهما. أمينة، التي كانت ترى الحقول بألوان باهتة، اكتشفت أنها تحمل بين أحشائها سر الحياة، طفلاً كان يخفيه القدر لهما طوال هذه المدة. وكما يضيء القمر ليلة مظلمة، جاء طفلهما "ياسين" ليضيء حياتهما.


كان ياسين كالبدر في ليلة صفاء، وجهه يشع بالبراءة والنقاء. عندما وُلِد، شعر عليّ وأمينة وكأن الحياة بدأت من جديد. لم يعد الحقل هادئًا كما كان، فالضحكات الصغيرة التي تخرج من الطفل كانت تمتزج مع نسيم الحقل، وكأن الأرض نفسها تحتفل بقدومه. أصبح ياسين هو النجم الذي يزين سماء حياتهما، وكان وجوده يجلب السعادة والبهجة في كل ركن من أركان البيت.


السنوات مرت وياسين يكبر، وكبر معه الحب في قلب والديه. كان يركض بين الحقول، يلعب مع النسيم، ويجمع الأزهار ليهديها لأمه التي كانت ترى فيه كل أحلامها المتجسدة. أما عليّ، فكان كلما رأى ابنه يعمل بجانبه في الحقل، شعر وكأنه يزرع الأمل في كل حبة قمح يضعها في الأرض.


كبر ياسين وأصبح شابًا يافعًا، قوته كقوة الأرض التي نشأ عليها، ورقته كنسيم الصباح الذي يلامس أوراق الأشجار. صار هو اليد التي تمتد لمساعدة والديه، يزرع ويحصد، ويجمع المحصول بفرح. كان الفلاحان يراقبان ابنهما وهو يعيد إليهما الحياة التي طالما انتظراها، وكأن السنين العجاف التي عاشاها من قبل قد نُسيت تمامًا.


في إحدى الليالي الصافية، كان عليّ يجلس مع زوجته وابنه ياسين تحت السماء المرصعة بالنجوم. نظر علي إلى السماء وقال مبتسمًا: "يا أمينة، تذكرين الليالي التي كنت أنظر فيها إلى السماء وأتساءل متى سنرزق بطفل؟". ضحكت أمينة وقالت: "كان الصبر صعبًا، لكن النتيجة كانت أجمل مما تخيلنا. لقد رزقنا بطفل ليس كأي طفل، بل كالقمر الذي يضيء حياتنا."


ثم نظر ياسين إلى والديه وقال: "سأبقى دائمًا هنا، معكما. وسأكمل ما بدأتماه، وسأحرص أن تظل هذه الأرض خضراء تنبض بالحياة."


بهذه الكلمات، امتلأت قلوبهم بالسعادة، وكأن حياتهم قد أصبحت كالسماء في ليلة صافية، مليئة بالنجوم اللامعة. كان ياسين هو القمر الذي ملأ حياتهما نورًا، وزرع فيهما أملًا لا ينتهي.

بقلمي نورة طلحة 

المغرب

توثيق:وفاء بدارنة 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق