الجمعة، 30 أغسطس 2024


(كانَ عَينَ الكَونِ دهرًا)

النادي الملكي للأدب والسلام 

(كانَ عَينَ الكَونِ دهرًا)

بقلم الشاعر المتألق: محمد رشاد محمود 

(كانَ عَينَ الكَونِ دهرًا)

 بقلم :  ( محمد رشاد محمود)

درَّجَـني الـجَهـــرُ بالــحَقِّ ، فَــزُجَّ بي إلى غَيابَــةِ الـمُعتَـقلاتِ في الــعـراق قريبًـا من مطلـــع عـام 1979 وكـنتُ في الـخامسـة والـعشـرين ،أتحرَّى أنـوار بـاريس بقطار بغـداد الــدولي الـذي كـــانَ يربطهـــا بـأوربا آنذاك وأســعى إلـى نيل وظيفَةٍ أسـتَعينُ بها على الرِّحلَة،وبعد أشهر من التنقلات رُحِّلتُ إلى سـوريا، و رأت السلطات أن تطرَحَني في سـجن الـقلـعة - غرفـة 5 أبراج ، حيث تـزأرُ الأحجـار الآخذة في الســموق أن لا منجى لـــكَ مـني أيهـا الـبائِس ، وعلى السـطح قضبانُ نافذةٍ - لا كــالــنوافِـذ - منبَــطِـحَــةٍ إلىى الأرض ، يُطِــلُّ منهـــا ســــجَّان مُدَجَّجٌ بالـســلاح ، يترصَّدُك في كل لـحظَةٍ من ليلٍ أو نهار  ثُمَّ إنَّ دونَكَ بـابًـا من قضبان الــصلــــب ، مِنْ دونِهِ بــاب ، يتـأدَّى إلـى سـمعِكَ منه صليل مفاتيح السَّجَّان . 

في تلـك الـحال ، ذات يوم من ســبتمبر من عام 1979 لمحتُ طائِرًا خِلتُهُ علَى فَنَنه فاسـتنطَقني قصيدةً ، منهـا هـذه النفثات : 

طائـــــِـرٌ رَفَّ وأُملــــــودٌ هَــــــــفَا

ذَكَّـــــرَانِـي بِنَـعــيـــــمٍ سَـلَـــــــفـَا 

حَيْـــثُ ماجَ النـُّــورُ في أمشـاجِـهِ 

مَسْبَــحٌ لِلـــرُّوحِ يُــذكي الـلَّهَـــفَــا

لِحَبيــــبٍ غِيــــلَ عني لَـــمــــحُـهُ

بِشَبَـــــا القَيــــْـدِ وغَـمٍّ كَـــــثـــفَــا

داهَـــمَ الـقَلـــبَ فإنْ جَاشتْ بِــــهِ

نَــزْعَـةُ لِلـــرَّوْضِ والــطَّيْـــرِ زَفَـــا

شَظَفٌ حَولِـي وفـي عَيـشي كـــذا

كِبَـــرُ الأنفُـسِ يَـــدعـو الـشَّـظَفَـــا

مُوجَـعٌ في الـقَيـْـدِ لا أضنَى لـَــــهُ

قَـدرَ مـَــا أضْنَى لُِــقَيْــــــدٍ دَنَّفـَــــا

من نفوسٍ فُحْـنَ فـي أجسادِهَــــا

جِيَـفًـا تَجفو الوَفَــا إمَّـــا ضَفَـــــــا

تَــدَّعي الـفِطْنــَةَ والــرُّشدُ لَهـَـــــــا

قَبَــــسٌ في كَـــــفِّ مِصــرٍ يُقتَـفَى

شَـــانَهَـــــا منِّي جَهِـــيرُ الـــرَّأيِ لا

يَرْتَشِي بِالــمَالِ أو يَخْشَى الجَفَـــا

لا أرومُ الــمَــــالَ إنْ جــاءَتْ بِــــهِ

نَــزْعَـــةٌ لِـلـــغَيِّ فـالــرُّشْدُ كَـــــفَى

لا يَبيـــــعُ الــحُرُّ بالـكَــــوْنِ حِمًـى 

ضَمَّـــهُ مَهْــــدًا ويَـحوي الـجَدَفـَــا

مَوْطِني الـمَجْــدُ ومَجْلاهُ السَّنَـــــا

كـانَ عَيـْـنَ الكَـوْنِ دَهْـرًا إذْ غَـفَــــا

شَمسُــهُ صَحــوٌ وعَـذبٌ نِيـــلُــــــهُ

وثَـــرَاهُ الخِصْـبُ يُنـْمي الـشَّرَفَــــا

أَوغِـروا لِلــحَـقِّ صَــدرًا فَالـخَنَـــــا

مُـوغَـرٌ مِنِّي ومِنْ طَبـعي الــوَفَـــــا

كَـبِّلُــــوا الكَــفَّيْــنِ فالــقَلــبُ بِــــلا

وازِعٍ حُــــرٌّ يَــــعَــــافُ الــصَّلَــــفـَـا 

واعْصِبُـوا الـعَيْنَــيْنِ فالـحَوْبـاءُ مِنْ

جَذوَةِ النُّهْــــــــيَةِ تَجلُــو السُّدَفَــــا

قَرَّعَ الـحَمقَى تَناهَـــى جَهْــــلُـهُـــم

أنَّ أسْـــرَ الـحُـــرِّ يَبْـــرِي الـصَّلَـفَـــا

غِلـْـــتُ طَيَّ الـسِّـــجْنِ أزلًا وَهُـــــمُ 

حُرُّهُـــــمْ فـي جَهْــــــلِهِ قَد رَسَـــفَـا

بقلم : (محمد رشاد محمود)

توثيق: وفاء بدارنة 



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق