*** ليلة سوداء ***
رابطة حلم القلم العربي
*** ليلة سوداء. ***
بقلم الشاعر المتألق: عبد المجيد الجاسم
*** ليلة سوداء : ***
ليلة من ليالي الشتاء القارس والريح المحملة برطوبة الأمطار تعصر النفوس وتفرض على البشر قانونها الذي لا يقاوم 0 إلا باللباس الصوفي والمدافىء الثكلى بالأخشاب وروث الحيوانات 000والغيوم التي تتنقل بكافة الاتجاهات أشبه بمعركة جوية أوجدها الخالق 0وحفيف الأشجار يضفي طابع الحركة والنشاط 000والمدرسة الإسمنتية القابعة على مسافة متوسطة بين القرى المتناثرة أشبه بترسانة على الخطوط الأمامية 0000؟سعيد لم يحلم يوما بأنه سيصبح حارسا في هذه المدرسه 0لقد أضناه الجوع وطرق جميع الأبواب عله يلاقي عملا يسد به ارق الحياة فقد أتعبته السنون بحثا عن لقمة العيش 0فكم من مرة احتار كيف يؤمن طلبات زوجته التي لاتنتهي وكم من مرة أراد أن يشتري مرة واحده في حياته فستان لابنته الوحيدة 000لقد كان لباسها ولباس زوجته من صدقات المحسنين من الثياب المهترئة 0او تلك التي تجاوزت الموظه ونوعية القماش 000لقد كان سعيدا جدا بهذه الوظيفة بعد أن باع بقرته الوحيدة ليدفع ثمنها للسماسرة والوسطاء لتامين وظيفة لائقة يكسب بها مال يؤمن مستقبله انه اليوم الأول الذي يبات فيه في غرفة أسمنتية من غرف المدرسة مع زوجته وابنته الوحيدة 000الفرحة تعم الجميع والمدفأة تملئ الغرفة بحرارة لم ينعم بها طيلة حياته 0000استلقى سعيد على ظهره بجانب المدفأة وراح يبني خيال اثر خيال 00فمرة يفكر أن يشتري لباسا لزوجته من مرتبه الأول ومرة يؤجل ذلك ويفكر في إيفاء الديون المتراكمة عليه 0ويشرد أحيانا ليتصور نفسه وهو يقبض أول مرتب والأوراق المالية بين يديه وأحيانا يرى نفسه وقد سدد جميع الديون واشترى ملابس لائقة للجميع وحتى فكر أن يشتري آلة تسجيل وتلفزيون بالتقسيط ***وخلال أحلامه التي لا تنتهي 0قطعت الكهرباء عن المدرسة 0وساد سكون عميق لفترة وجيزه لا يقطعه إلا حفيف الأشجار وعواء الكلاب 1
000ومواء قطته التي رباها فهي من ضمن العائلة المتواضعه 000مرت لحظات سمع صوت شخير وحشرجة قادمة من الصالون الطويل بل ووقع اقدام وحركة غير عادية 000همست المراءة لزوجها هل سمعت ما اسمع فقال لها زوجها بصوت خافت نعم 0قالت: إلا تنظر من بالصالون قال: دعين انصت جيدا 000فتعالت الطرقات كأنها أصوات أخشاب تتكسر 00فهمست المراءة ثانية 00هل أحد يكسر الطاولات 00فقال زوجها لا000لا000 فوقف سعيد واقترب من النافذة وازداد الرعب في قلبه وهو لا يملك حتى سكين يدافع بها عن بيته 000فامسك طرفي النافذة وبدا ينظر من خلال الزجاج المتسخ عله يبصر ما يهدأ روعه لكنه لم يشاهد شيئا 000الاصوات انقطعت وساد الصمت 000وما هي الا دقائق حتى أنارت الكهرباء الغرفة فقرر سعيد ان يخرج ليرى ما الذي حصل لكن أمراء ته أدخلت الخوف إلى قلبه حين ذكرته انه في العام الماضي قد قتل رجل بجانب سور المدرسة ولا أحد يعرف من هو وما هي قصته 000؟ فنهض وتقدم بخطى حذره تجاه الباب وقطته تموء خلفه 00ففتح الباب و ألقى نظرة سريعة على الصالون المعتم قليلا فلم يلفت نظره شيئا وعبثا خرج إلى الصالون الطويل وهو يردد أغنية لطرد الخوف المسيطر على أعصابه 000وخرجت القطة تموء معه 00وزوجته إلى جانبها طفلته ابنة الربيع الرابع تلاعبها بهدوء غير معتاد 0ثم عاد سعيد دون أن يثير انتباهه شيئا 000وجلس مسندا ظهره للحائط وبعد فترة ليست بالطويلة دفعت القطة الباب وهي تموء 00 فما كان من المرأة الا أن أبصرت دماء على الأرض اثر أقدام القطة على الأرض المفروشة بالرخام 00وهمست لزوجها باستغراب يشوبه الخوف والفزع وكانت تشير إلى أقدام القطة الملوثة بالدماء 000فارتعد سعيد فنهض واقفا مذعورا 0؟ ما هذا يا الهي ؟ من قتل وصار يقرن ما بين الأصوات التي سمعها وما بين الدماء التي يشاهدها ؟ عليه أن يتتبع أثار أقدام القطة عله يهتدي لشيء ما لكن زوجته منعته من الخروج 0خوفا عليه من أن يكون الآخر ضحية 2000واخيرا بعد ملاسنة ما بينه وبين زوجته قرر أن يخرج فخرج متتبعا الدماء التي طبعتها أقدام القطة والتي قادته إلى آخر غرفة فوجد إن الباب موصد واثر الأقدام من هذه الغرفة 0 حاول أن يدفع الباب لكن الجرأة خانته تراجع إلى الخلف ونور الغرفة المراد فتحها مطفئ 000ثم كلم نفسه ألم تدخل القطة هنا وهل القطة أشجع مني ؟ فدفع الباب بحركة سريعة 0 فما كان إلا من زوجته أن لحقت به وطفلتها تركض وراءها 0 لم يسمع شيئا ولم ير شيئا عليه أن يضغط زر الكهرباء ليتمكن من إلقاء النظرة الأخيرة التي يطمئن بها على المشهد فمد يده على زر الكهرباء وجسده في الصالون ممطوط 000لم تلحق يده الزر 0عليه أن يدخل ولو رجل واحده إلى داخل الغرفة حتى يصل إلى مفتاح الكهرباء لقد كان قصيرا وزاد من قصره كرشه المتدلية وشفتاه المكتنزتان وشاربه المصفر اللون من اثار لفائف التبغ الرخيص 0 وقد رسم الدهر في وجنتيه أخاديد تحكي قصة الفقراء والمحرومين 000؟ ومقلتاه الغائرتان بين التجاعيد تحملان البؤس والشقاء 0 لقد كان اعرجا منذ الطفولة عندما أصيبت رجله بكسر أهمل علاجه ؟ و أنار النور والباب اقل من نصفه مفتوح وقبل ان يهم بالدخول جذبته للخلف خوفا من خطر يداهمه فأزاحته للخلف لكنه لمح دماء تملئ أرضية الصف بل هي غرفة المخبر 000المملوءة بالطيور المحنطة والتماثيل المجسمة 000واجبرته زوجته بالرجوع إلى الغرفة المخصصةلهم 0
فدخلا واغلقا الباب بحكام بعد أن تركا غرفة المخبر مفتوحة ؟ وصار يهمسان لبعضهما بصوت خافت ؟ ماذا تكون هذه الدماء التي تغطي سطح الأرض 000 وصاركل منهما يبدي وجهة نظره للآخر حول ما يتوقعه والخوف من المجهول يكاد أن يقطع أنفاسهما 0؟ بدأت الزوجة ترتجف واصفر لونها وبدأت يداها ترتجفان وصوتها يكاد أن ينقطع وأخذت تتمتم 00فالتصورات التي أبدها جعلتها اكثر رعبا من المشهد الذي شاهدوه 0يتفقدا الطفلة الصغيرة انها خرجت أثناء خروجهما لمعرفة ما يدور داخل المدرسة 000فاخذ كل منهما يلوم الآخر حول3ضياع الطفلة واخيرا قررا أن يخرجا ليبحثا عنها داخل الصفوف المفتوحة أو داخل الصالون 0واخذ الأب ينادي بصوت خافت فاطمة 00فاطمة00وصارا يتنقلان من غرفة إلى أخرى معا أحدهما يدفع الآخر للبحث عن الطفلة فاطمة 0وفاطمة صغيرة الحجم ابنة الربيع الرابع تحمل من أمها الوجنتان المتوردتان والرموش المزدوجه والشفاة الرقيقة ومن أبيها شكل الجسم فهي أشبه بأرنبة صغيرة 0كثيرة الحركة لاتعرف مكان للخوف مثلها مثل الكثيرين من أطفال القرى 0 لقد أعياه التعب والقلق والخوف البحث عن الطفلة فلم يبق مكان للبحث في الغرف المرتصفة على الممر إلا وفتشاها بحذر 0 باستثناء المخبر المشؤوم 0فلم يجرا أحد من الزوجين على الاقتراب منه 0000فهمس أحدهما للآخر بان يدخلا إلى الغرفة وكل منهما يدفع الآخر ليدخل أولا 000النور مضاء داخل المخبر والباب موصد لكن ليس كاملا 00حاول الزوج إن يتلصص من الفتحه عسى أن يجد ابنته لكن لم تقع عيناه إلا على الدماء التي تغطي الأرض 0فتهامس الزوجان ماذا يفعلان 0فقرر الزوج أن يخرج إلى قريته المجاورة عل أحدا يساعده للبحث عن طفلته فاطمة لكن زوجته منعته فإما أن تغادر معه 0او لا يذهب فيتركها وحيدة تتخبط برعب لم تشاهده طيلة حياتها 000؟ قد يقتلها الخوف والوحده قد يقتلها المجهول 0000واخيرا بعد عراك وجدل بين الزوجين قررا أن يذهبا إلى القرية ليستنجدا بأهلها 000غادرا المدرسة بعد أن فقدا ابنتهما الوحيده 000كان الظلام قد أرخى سدوله بليل حالك ورياح هوجاء تطلق صفيرا حادا يرعب المجانين 000؟ ولفحات عشوائية من رذاذ المطر تدمي الأنوف وعواء ذئاب ونباح كلاب وزقزقة عصافير لم تهجع بليل عاصف والطريق الموحلة الزلقة الملتوية بين الوديان توحي بالكابة وغدران المياه على ضفتي الطريق يتخبط بها حتى المبصرين 000؟ والزوج يحدث نفسه في حيرة من أمره أين ذهبت فاطمة ؟ هل خطفت ؟ هل قتلت ؟ وجال في خاطره كيف عانى من اجل وظيفة حارس فلم يترك واسطة أو معرفة إلا4
وطرقها ولا نافذة ولا مسؤول صغير أو كبير إلا وطرق بابه وها قد استجاب القدر بعد أن باع أغلي ما يملك بقرته راس ماله الوحيد وهذه أول ليلة لم يسعد بها إلا لاقل من ساعة أطلقها لخياله وها هو اليوم يعود لمأساة جديدة من نوع جديد وتمنى لو لم يقبل كحارس ولعن تلك الساعة التي أوصلته لهذا الطريق 00وها هو يتخبط برجله العرجاء بين الوحول والغدران مع زوجته فاقدا الأمل فاقد روحه المتعلقة بطفلته التي لم يرزق بغيرها 000وزوجته الى جانبه تحثه على الاسراع وصراخها الخافت يدمي القلوب 00وبين هرولة وبين مشيا حثيث تزلق رجل الزوجه على الطريق الزلقة فيعفر وجهها وثيابها بالطين فتنهض لكنا بدات تعرج لقد نال الطريق منها وسار الاعرجان لكن الطريق قد سدت بوحش انه قريب وعلى مسافة ليست بالبعيده انه ضخم اسود اللون كلون الليل البهيم فهمس الزوج لزوجته انه ضبع مؤكد ضبع علينا ان نرجع 0000فاستجابت المرأة لما يطلبه زوجها من حل منطقي فهم لايملكان حتى عصا بايديهم وحالهما لاتقبل ان يقاوما حتى فارة 0فقرر العوده ووصلا الى المدرسة وتدافعا نحو الباب كل منهما يدفع الاخر للدخول اولا ؟ فدخلا سويا وابصرا فاطمة على باب المخبر وبيدها انابيب زجاجية وقارورة مخبر ووجها ملوثا بدماء حمراء 0
اقترب الاب من فاطمة ودقق جيدا فوجد ما موجود على وجه فاطمة ما هو الا مربى البندوره 0ثم تجرا على فتح الباب فلم يجد سوى زجاجة كبيرة من مربى البندورة قد كسرت وساح ماءها على ارضية المخبر 00وهناك معالق وطناجر تستخدم لتعليم الطهي للفتيات من ضمن البرامج الدرسيه المقررة 000 للمرحلة الاعداديه 0فلم يكن هناك ما يدعو للخطر 0
فابتسمت الام وقهقه الزوج
يا لها من ليلة سوداء
انتهت
بقلم : عبد المجيد الجاسم / ابو حيدر /
توثيق : وفاء بدارنة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق