الخميس، 24 فبراير 2022


*** قراءة مبسطة لنص أدبي جميل  ***

رابطة حلم القلم العربي 

***قراءة مبسطة لنص أدبي جميل ***

بقلم الشاعر المتألق: صاحب ساجت 

     # قراءةٌ مبسطةٌ و سريعة لنصٍّ أدبي جميل#

، أرجو تنال اِستحسانكم، و تُرضي الإستاذة الكاتبة...

عنوان النص:- "علىٰ رصيف الإنتظار "

الكاتبة:- كلثوم حويج

القراءة:- صاحب ساجت/العراق

المصدر:-


أولًا:- النصُّ...

      " علىٰ رصيف الإنتظار "

عام مرَّ

 أحرق أوراق ذاكرة 

فصولا على الموانئ راسيات

تراءت السنين مرّةً

في مرآة اللحظة 

و عشق العيون 

أوله سلام

أوسطه أحلام 

و نهاية ملكت أصعب قرار 

لا فرار

من همس عطرك لا فرار!

عيدانُ قمحٍ 

انحنت سنابلي 

أثقلها الكبرياء 

في كل حبة شوقٌ يرحل 

إلى نجم بعيد 

يلاحقني تترا

صمت أرهق المكان

سكون الليل و النهار 

و رنين هاتف 

أيقظ غفوة 

طوقني بعقدِ أمل 

على الصدرِ أبر تلسعني

كأنها حرارة الشَّواء 

في برد الشتاء

ترصِّع ثوبي بحبات لؤلؤ 

هطل من ثغر السماء 

شهد بنكهة حياء 

بينما الطريق 

غمرته الثلوج

غطت بالزهور جذور اللهفة 

نهار يمتطي صهوة الورق

بخفة زورق 

في بحر لا مداد من الكلم

و ليل يتبع النجمات

قدوم غائب ينتظر 

على الرصيف مقهى صغير 

و شجرة زيتون 

غصن تدلى ظله وطن

تستدل عنوان 

و للشموع ألوان! 

       (كلثوم حويج)


ثانيًا:- القراءةُ...

١) الذكرياتُ.. و لوعةُ الٕانتظارِ...

     أفضلُ طريقةٍ للاحتفاظ بأحداثٍ وقعت في الماضي، هي خَزنُها في الدماغ -الذّاكرة-، بهدف استرجاعها في لحظةٍ ما، في لحظة تأمُّلٍ أو تجلِّي مع الذات، أو في أحلام اليقظة...

    ثَمَّ ناسٌ مُولَعون بهٰذه الذكريات السعيدة، و أخرىٰ تعيسة تقضُّ المضاجع، ممّا حاول بعضهم الهروب منها، لٰكنه واقعٌ فيها.. لا محالَ!

الذكريات حسيَّةٌ، تظهر لثوانٍ كالبرق، و أخرىٰ تدومُ طويلًا، تُعَبَّأُ الخزَّانةُ بها و تستمر الىٰ وقتٍ، و تنتهي حينما تغطيها أحداث مستحدثة تستوجب الخزن.

و المشكلة في ذٰلك.. لا يمكن الاستغناء عنها، وترتبط وجودًا و عدمًا بالشخص و طبيعة أعماله و أحاسيسه اليومية.

ثُمَّ أنَّ قوةَ الذاكرة تتناسبُ و سوءها عكسيًا بمقدار السعادة و التعاسة..

فمَنْ يتذكر جميع الأحداث، يكون في حالة مؤلمة جدًّا، يتمنىٰ أن يتخلَّصَ من ذكرياته أو يتناساها!

بينما من لديه ذاكرة سيئة.. يبدو سعيدًا لعدم تذكره جميع أحداث حياته المؤلمة.

أمّا الإنتظار...

فهو ترقُّبٌ و أملٌ في حدوث أمرٍ مُرْتَجىٰ. و هو صراع مع النفس و رغباتها، أولًا، عن طريق الصبر و الصلابة...

و ثانيًا.. رفضُ واقعٍ مُزري، و ليس استسلام! و هو منبع الأمل في المستقبل، ممّا يُسهِّل العيش مع الآخرين، و هو باعثٌ للأمل في الحياة.

لٰكنه لا يخلو من لوعةٍ و ألمٍ إذا طالَ أمدُهُ، و حياة الانسان محددة بمدة، و حاجة، و هدف، و رسالة، و دافع.. و نوع الانتظار!

(عام مرَّ

 أحرق أوراق ذاكرة 

فصولا على الموانئ راسيات

تراءت السنين مُرّةً

في مرآة اللحظة 

و عشق العيون 

أوله سلام

أوسطه أحلام 

و نهاية ملكت أصعب قرار 

لا فرار

من همس عطرك لا فرار! ).. النص

    هنا الٕانتظار سحقَ الذاكرة، و تَرَاءَىٰ كأنه معركةٌ طاحنة وقعت أحداثها علىٰ ساحل.. بين بحرٍ هائج، و فصولٍ/سنين من العمر، مُرَّةً.. اِحترقتْ!

و هٰذه السنين هي مراكب النجاة،  احترقت واحدةً تلو الأُخرىٰ، و صارت ذكرياتٍ لها طعمٌ نتذوقها بعشقِ العيون، 

و نراها مع الأمواج الآتية من بعيد.. لٰكنها سرعان ما تتلاشىٰ عند ساحل رمل الٕانتظار.. و لاتَ حينَ مناص! 

فلا مهربَ و لا أسفَ علىٰ ضياع عطر المُنتَظَر حينما تتكسرُ هٰذه الأمواج!

    فعلًا.. ألمٌ عميقٌ مصدره قلبٌ مُتَيَّمٌ، يرصدُ مرور الأعوام و هو 

ما اَنْفَكَّ يَنبضُ في ساعات انتظار، لا خلاصَ منها إلَّا شريط الذكريات..

(أُعَلِّلُ النَّفْسَ بِالآمَالِ أَرْقُبُهَــــــا

مَا أَضْيَقَ العَيْشَ لَوْلا فُسْحَةُ الأمَلِ

لم أرتضِ العيشَ والأيامُ مقبلةٌ

فكيف أرضَى وقد ولَّتْ على عَجَلِ)

(الحسين بن علي الاصبهاني الطغرائي - صاحب لامية العجم - ت ١١٥٠ م.)


٢) الكبرياءُ سمةٌ فطريَّةٌ...

   مفردة الكبرياء تعني-- عُلو و ارتفاعٌ في قلب الإنسان، و تزدادُ مع عزَّة النفس عندما يجد أنه محبٌ لطرفٍ آخر، فيطلب منه التعظيم و الأنانية في التعامل و الحبِّ!

 النفسُ مليئةٌ بالصفات، منها المحمودة التي تُعْلي شأنَ صاحبها، و أخرىٰ مذمومةٌ، تجعلُ الأنسانَ يَشقىٰ بسببها.

فهنا الكبرياءُ ليس من باب التكبُّر و الغرور، او العناد علىٰ أمر معين، انَّما الترفُّعُ و العلو.

و الحياة - كما يقال- تجاربٌ و مصاعبٌ تدعونا للحكمة، و في حالات الفشل نُصْبِحُ أقوىٰ من السابق، و لا يمكن تحتَ أي ظرفٍ أن يتخلىٰ الانسانُ عن كبرياءه و عزَّة نفسه، لانهما من سمو الأخلاق، و شيءٌ فطريٌّ لا يمكن الإنفصال عنه.

(عيدانُ قمحٍ 

انحنت سنابلي 

أثقلها الكبرياء 

في كل حبة شوقٌ يرحل 

إلى نجم بعيد 

يلاحقني تترا

صمت أرهق المكان

سكون الليل و النهار 

و رنين هاتف 

أيقظ غفوة 

طوقني بعقدِ أمل 

على الصدرٍ أبر تلسعني

كأنها حرارة الشواء 

في برد الشتاء

ترصع ثوبي بحبات لؤلؤ 

هطل من ثغر السماء 

شهد بنكهة حياء 

بينما الطريق 

غمرته الثلوج

غطت بالزهور جذور اللهفة ) .. النص

    سنابلُ القمحِ.. عندما تنضج تنحني بكبرياءٍ معهود، احترامًا لموسم قطافها كي تعطي فائدتها المرجوَّة.

و فيها من الشوق ما يحملها الىٰ أسنان " مناجلِ " الحصاد، وفاءً و محبةً رُغمَ العناء و التعب، في فضاءاتٍ ملبَّدة بالصمت و سكون المكان!

هٰذا التسلسل.. بغيةَ تقليد طوق الأمل، تصفهُ الكاتبة..  إحساسًا غريبًا يفرض حاله كـ (أبر تلسع الصدر، شبيهة بحرارة شواء في برد الشتاء) و تنتقل الىٰ (أجواء تساقط الثلوج في الطرقات، و هطول ندف بيضاء، تحتفظ الزهور بجذور اللَّهفة، و هي تتمسك أكثر بالأرض مهما غطتها الثلوج!)

هذا التمسك هو:- بعزة النفس و الكبرياء المنشود، مهما احتشدت لوعات العمر و ابيضَّتِ الذوائب، و تكالبتِ الظنون في مرابع العشق، فان الأملَ باقٍ، معقودٌ بالحبيب!

(إن تكن شابتِ الذَّوائبُ منّي

             فاللَّيالي تزينهــا الأقمــارُ)

" قيلَ شاعره هو الخليفة العباسي المستنجد باللّٰه.. و قيل غير معروف!"


٣) آفاقُ الأملِ...

(نهار يمتطي صهوة الورق

بخفة زورق 

في بحر لا مداد من الكلم

و ليل يتبع النجمات

قدوم غائب ينتظر).. النص

           اقتربت ساعةُ اللّقاء، حتىٰ لو بالخيال و ما يحفظ من ذكريات، و انجلىٰ اللَّيل، و انشقتِ السماء...

(بِصُبْحٍ وَمَا الإصْبَاحُ منِكَ بِأَمْثَــلِ)

بَيْدَ أن الأمرَ لا يعدو أن يكونَ وَرَقًا!

لا يحملُ زورقُهُ قَشَّةً ليعصمها من الغرق! و لا يحتفظ بمداد كلماته في بحرٍ لُجِّيٍّ! و ليلٌ طويل.. تتسامر فيه النجمات بانتظار قمر يبزغ من المُحاقِ، غائبٌ ضوءَهُ و مختفٍ عن العيان!

(ألاَ أَيُّهَا اللَّيْلُ الطَّوِيْلُ ألاَ انْجَلِــي

بِصُبْحٍ وَمَا الإصْبَاحُ منِكَ بِأَمْثَــلِ)

(امرؤ القيس - شاعر جاهلي)


الخاتمةُ...

   و تأتي نهايةُ النصِّ علىٰ هٰذا النَّحو:-

(على الرصيف مقهى صغير 

و شجرة زيتون 

غصن تدلى ظله وطن

تستدل عنوان 

و للشموع ألوان)... النص

     نُخطيءُ عندما نَزْعمُ ان النصَّ انتهىٰ في لحظةِ كَذا...

أو تَمَّ اِنحازُ النصِّ الذي أرادته الكاتبة، لانه دائمًا ما يكون نصًّا مفتوحًا، متجددةً متغيراته، طالما رجعتِ الكاتبةُ إلىٰ مسار نصِّها إبتداءً...

و هو الأملُ، مركزُ الجمال علىٰ حركة الرُّؤىٰ الشعرية كقيمة إبداعية، انتقلت من تصويرٍ إلىٰ آخرَ، بتشكيل متعةٍ من النصِّ، لكنها قطعًا مثيرةٌ جدًا بايقاعٍ رومانسيٍّ غنائيٍّ بديعٍ.


أرجو ان اكونَ تناولتُ جوانبَ ذات فائدة للكشف عن محتوىٰ نصٍّ أدبي، أجعلهُ بين يَدي المُتلقِّي، و لمَنْ له رغبة في تطوير ذٰلك.. يُسعدُني جِدًّا..

و أرجو أيضًا أن تروقَ قراءتِنا للإستاذة الفاضلة (كلثوم حويج) صاحبةُ النصِّ..

           مع أطيب التحيات

        (صاحب ساجت/العراق)

توثيق : وفاء بدارنة 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق