الأربعاء، 19 أبريل 2023


★ العيد ★

النادي الملكي للأدب والسلام 

★ العيد ★

بقلم الشاعر المتألق: فتحي الخريشا

تحياتي وعيد مبارك وسعيد للجميع ♥️    ★ العيد ★

 شابة متأنقة ممشوقة القامة وعلى مَحياهَا قد رسمت الطبيعة رائِق الجمَال، ولكأنمَا ٱعتنت بملامحِهَا ريشة فنانٍ مبدعٍ عظيمٍ وبصوتٍ هادئٍ ومفعمٍ بالمسرَّةٍ قالت:

 قل لنا شيئًا عن العيدِ أيُّها المعلمُ المشرقُ بنُورِ غبطة الحقيقة وضياء نعمة الحق.

 قال آدمُ وقد ٱرتسمت ٱبتسامة على وَجهِهِ المُضيء بالمحبَّة، وكان قد رفع ذراعيهِ كأنَّهُ يريد أنْ يحتضن الناس أجمعين بأجنحة من نور :

 كلُّ يومٍ تشرقُ فيهِ الشمسُ هُو عيد لنا، فالحياةُ منبثقة بقسَامَةِ الخير ويُمنِ الجمال وعلى إمتدادِ كلّ لحظات وجودنا ومَا تغيب عن أحدٍ نُضْرَتهَا إِلّا أنْ يغيب عنهَا هُو ولو كان بين شهقةِ ٱرتِياحٍ وزفرةِ ألمٍ، ولا يليق بالحياةِ إلّا المحبَّة والرِّضىٰ والحريَّة والهناءةِ والعطاء. 

 ألآ عندما ينبلج الفجرُ ببُلجةِ الضِّياءِ تنتشي الأرواح فرحًا بواضحِ نُورِ أوّلِ يقظةِ الإشراقِ لكأنّها في موكبِ أفراح عيد، كذا حين تغني الطيورُ في الأدواحِ والبَسَاتِين على أفنانِ الأشجارِ أو على شرفات الأبنية والناس تهرول إلى أعمالِها بأملٍ زاهي الخصبِ لجني حصاد الٱجتهادِ، وحين الناس تريح أثقالها على بِساطِ متنزهاتٍ يطلبونها للترويحِ والاِسْتِجْمَامِ يكون العيدُ قد رشَّ أوّلَ أمطار المحبّةِ والخيرِ والفرح.

 فليس العيدُ يوما أو بضعة أيامٍ نحيي فيهِ الفرح بالمسرَّاتِ ثمَّ ندع باقي أيام الحول غريبة أو تكاد عن مسرَّةِ الألفةِ في الٱجْتِماعِ أو ندرأها لقطعِ الوصال بمَنْ نحبّ وكذا نلقي أغلب أيام أعمارنا عن نعمة السَّعادة للتَّعاسَةِ والأحزان.

 ألآ ليس العيد يوم ينعطف فيهِ القوي الغني على الضَّعيفِ الفقير، بل الحقُّ أنْ تكون كلّ أيامنا لِصلةِ البِرِّ بصِدقِ التعاطفِ والترافدِ ولنعمةِ المشاركةِ بأيدي تعطي أكثر مِمَّا تأخذ ولحسن التعاون لرفعِ مائِدة المحقلةِ للجميع.

 وليس العيد يوم فيهِ ننظر لبعضنا البعض بعين التسامح والمحبَّةِ والقبولِ، وما نلبث من بعد تارِكِين كلَّ أيامنا عن ندىٰ الإحسان وبَذل المعروف لتولّي أحيح الكراهِيَّةِ وٱحتدام الخصام وكذا لسُمُوم الحنقِ وحدّةِ الحَرْدِ الأقدامُ بالرُّؤوسِ تسير فوق الشوكِ وعبر الظلام.

 الحريُّ العيدُ يعلمنا كيف نجفّف دموع الألمِ من مأقينا بيقظةِ الفؤادِ نحو إرادةِ الغبطةِ في الحياة، وكيف نجلي الهمَّ عن صدورِنا بصدقِ التعاطفِ إذ كلٌّ أمام الآخرِ حول مائدةِ الحيَاةِ بأفئِدةٍ لا ترتعش ولا تتقهقر قدام المحبَّة والنّور، فطوبىٰ للذي يُرسخُ في ذاكرتِهِ جميلَ مقاصد العِيْدِ للإخلاصِ في التواصِل ولنبِيلِ الأفعالِ. 

 ٱفرحوا بالعِيدِ رغم قسوة شقوات وحرقات أحزان، ولكن عليكُم أنْ تتعلموا من بعدِهِ كيف تسيطرُون على كلِّ وجعِ عسرةٍ وعلى كلِّ أنينِ ألمٍ لتسود المسرّةُ لباقي أيام أعماركم رغم دخانُ سُمُومٍ وعصفُ هُمُوم.

 إن الذي يرى نبضة عمرهُ في الدائِرة وهو من العاقلِين يحيا وعلى ما تقاطرت عليهِ من شقوات حرا سعيدا ومتجليا فوق كلِّ عرسٍ وعيدٍ. 

 ألآ ليس العِيدُ أنْ نتهادىٰ الزّهُور ونأكل الحلوىٰ ونشرب القهوة أو نصير على مائدةِ الأطعمةِ الشَّهِيَّة بكؤوس النبيذ ونغني ونرقص وقلوبنا غلف منغلقة على هُمُومِ الحياةِ وسُمُومِ الرَّغبات والشَّهوات المحمُومة والنّفُور من الآخرين، أو أنفسنا تهومُ في فضاءاتٍ من الفراغِ والظّلمَةِ والضّياع، وكذا تراوح أفئدتنا بين تقبل الآخرين ورفضهم أو تمور في المُيُونِ والإدهان، بل الحريُّ أنْ نصنع حلوتنا من دقيقِ المحبَّة والتّفاهم ونغمسها بشرابٍ مرطبٍ بِأنداءِ عشقِ أرواحنا لبديعِ النّورِ وصِدقِ المُشاركةِ في مغتبطِ العناق، بحيث يكون رقصنا على ربوةِ روعةِ البهجةِ وأمام ضياءِ شمس أفئدتنا بِنضِيرِ كلِّ جميلِ صلاحٍ وجيدِ معروفٍ وكريمِ إحسانٍ، والحرِيُّ عناقا أبديًّا مشبعًا بحرارةِ التَّجانسِ وعذوبةِ الحنان وفياضًا بالثقةِ في الذات وفهْمِ مَاهِيّة الآخرين لخيرِ العِشرةِ في مُلاقاةِ النّاس.

 ليس العيدُ يومًا لتكريسِ الخُرافة من تسلط دِينٍ ولرعاية الجهل من تعاليمِ فسادٍ، ولفرض قُيُود التّبعِيَّة بٱسمِ المحبَّةِ والوِصالِ والٱنتِماء، الحريُّ العيدُ يومًا نثبتُ فيه إرادة التحرر من ربقةِ التسلط والتخلف والجهل، وكذا الخلاصُ من الإيْمانِ الزّائفِ ومن تداولِ أساطير السخف، الحريُّ العيدُ يومًا تنزع فيهِ أردِية الدجلِ والكذبِ والنفاق، وينزع فيهِ كلُّ قبيحِ قشرٍ عن لبِّ الحقيقةِ لمعرفةِ سِرّ حقّ الإنسَان حُرًا من كلِّ راسفةِ قهرٍ وٱستِعبادٍ على الوُجُود. 

 إنمّا العيد وقفة أمام النفس لتتبين مَاهِية الخير فيهَا وعذوبة تدفق ينابيع المحبّة في جنباتِها على كليّةِ النّفس، إنّهُ المرآة الجليّة التي تبصر النفس مِمَّا  عليها من رينٍ ومِنْ قيودٍ لواضحِ الرُّؤْيَةِ كي تتحفز للٱرتِقاءِ على سُلَّمِ عليائِهَا لأعزِ النّعمَة وأسمىٰ المقام في إِنْسِيَّةِ الإِنْسَان.

 إنّ العيدَ يومُ سُرُورٍ لا يسمو لجوهر حقهِ إلّا حين يكون من الإنسانِ للإنسان، كذا هُو العيدُ يومٌ لتثبيت مُعتقد الإنسِيَّة والاِحتِفاء بهِ عاليًا، فمَا مبجل إلّا إنسِيَّة الإنسَان إذ الحريُّ للإنسِيَّةِ كلّ سُمُو الشرفِ وعلو المنزلةِ وعظيم السُّؤْددِ، ولها كلّ مسرة الحفاوة وطوبىٰ التكريم.

 ألآ ٱخرجوا لعناق الطبيعةِ والكون بقلوبٍ تتأججُ بالمحبَّةِ وبأفئدةٍ تثملُ من كؤوسِ الجمال، وعيِّدوا معًا برواءِ كلِّ صفاءٍ.  

 ألآ إنْ العيد تذكرة بوجوب النزوح عن تقطيبِ البغضاءِ وعن شُرُورِ الظلم، وعن الجنوحِ نحو سحق الآخرين على رحىٰ الٱستِغلال والٱستعباد، والعدول عن الجشعِ اللئيم والاِستِعلاء النَّكدِ والغرور المقيت.

 إنَّ العِيد فرصة الرُّجُوع إلى سِرِّ الإنسَانِ والإنسانِيَّةِ بوجوبِ التَّوحدِ في الخيرِ والرفد والجمال لتصير كلّ أيامنا أعيادًا تزهو بطمأنينةِ الرِّضىٰ ونعمةِ الاِكْتِفاءِ وكذا لتفيض بالسَّعادة التي يحدوها السَّلام.

 ولا يكون العيد مبرقعا بالزّهُورِ والشموع وحول أطباقِ الحلوىٰ والثمار بينما أكاليل الشّوك تطوق أعناقنا بهدمِ ذواتنا وٱغتيال الأنا والآخر والحياة.

 ولا يكون العيدُ مُوقرًا دون أنْ نرش عليهِ بعضًا من قدسيتنا، فلتكن كلُّ أيامنا مقدسة بنا وبمَا نمنحهَا مِن نضَارَة الخيرِ ورونق الجَمالِ وبمَا نغدق عليها من فائقِ المحبَّةِ وبَهارِ كلِّ حُسَّان.

        من كتاب الإنسان الكامل النوراني لمؤلفه :

           المهندس أبو أكبر فتحي فايز الخريشا    ( آدم )

        توثيق: وفاء بدارنة 



                 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق