الخميس، 18 سبتمبر 2025


*** وشم الغياب. ***

النادي الملكي للأدب والسلام 

*** وشم الغياب. ***

بقلم الشاعر المتألق: لطفي الستي 

*** وشم الغياب. ***

على الجدرانِ أكتبُ الكلماتَ

كي لا يذوبَ صوتي

في فمِ الريحِ.


أخطُّ ظلالًا من حبرٍ يابسٍ،

كأنني أعيدُ للغيابِ

وجهًا يطلّ بين الشقوقِ.


الغيابُ ليس فراغًا،

إنه مقيمٌ بيننا،

يجلس على المقاعدِ الفارغةِ،

يصافح بأيدٍ باردةٍ

حين نغلقُ الأبوابَ.

كلُّ كلمةٍ أرسمها

تصير وشمًا في جلدي الشاحبِ،

ندبًا لا تمحوه الليالي،

لن تغسلهُ دموعُ الصباحِ.


أكتبُ على الجدرانِ

كي لا أتآكل بفعل المسافاتِ،

كي لا يبتلعني الصمتُ،

كجرسٍ معطوبٍ

في كنيسٍ مهجورٍ.


الغيابُ يجيء في الليلِ، يجلسُ قبالتي ويشربُ من كؤوسي،

ثم يتركُ رائحتهُ على الوسادةِ.


أنا لا أرى وجههُ،

لكنني أعرفُ أنفاسه:

باردةٌ كحجرٍ في قاع النهرِ،

حادّةٌ… كخنجرٍ

يوقظُ الدمَ من سباتهِ.

كلُّ جدارٍ أصادفهُ
يصيرُ جسدًا آخرَ للغيابِ،
كلُّ طوبٍ نافذة،
كلُّ شقٍّ عينًا
تراقبُ ارتجافَ يدي.

أنا لا أكتبُ شعرًا،
أنا أنقشُ جرحًا،
أمنحهُ وسمًا
كي لا يضيعَ في العدمِ.

وحين تتهالكُ المدينةُ
وتصير إلى الخرابِ،
سيبقى الوشمُ شاهدًا
أننا مررنا من هنا،
وأن الغيابَ لم يبتلعْ كل شيء.

لكنني لستُ جدارًا
كي أتركَ صمتي حجرًا فوق حجرٍ،
ولستُ ظلًّا 
كي أعيشَ على بقايا غيابٍ لا ينتهي.

أمزّقُ الليلَ بأصابعي،
أكسرُ أقفالَ الصمتِ،
وأكتبُ على الهواءِ
كلماتٍ لا تمحى.

إن كان الغيابُ وشمًا على جلدي،
فسأجعلُه نارًا،
تضيءُ الطرقاتِ المعتمةِ،
وتعلنُ:
أني حيٌّ،
أني باقٍ،
أبدًا… لن أزول.

بقلم: لطفي الستي – تونس

12/09/2025

توثيق: وفاء بدارنة 



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق