الأحد، 4 يونيو 2023


*** موعد مع الوهم ***

النادي الملكي للأدب والسلام 

*** موعد مع الوهم ***

بقلم الشاعرة المتألقة:  فريدة بلفراق 

*** موعد مع الوهم ***

قصة قصيرة

    عدَّلت تسريحة شعرها أمام مرآة الرواق، حملت حقيبة اليد البنية اللون المُحاكية للون الحذاء، ألقت نظرة أخيرة على هاتفها النقال واندفعت نحو الشارع، متجهة إلى العنوان المُحَدد من رجل تعرّفت عليه منذ ثلاثة أشهر عبر الفضاء الافتراضي ليكون أول لقاء بينهما على أرض الواقع، بعد انتظار طيلة هذه المدة التي أفضى بعضهما إلى بعض بمشاعر الحب واللهفة وقصص مدفونة في أغوار النسيان المُنغمس في زمن الشذوذ العاطفي والتجسس على أسرار مُعلّقة بخيوط فيسبوك وتويتر وتقلبات الذكاء الاصطناعي، الذي زج بالبشر إلى عالم الوهم وعبودية العقل. سارت بخطواتها الحالمة تشق طرقات المدينة تمتطي سيارة أجرة، تتسارع نبضات قلبها كلما اقتربت نحو مسافات الموعد مع فارس أحلامها، يدور برأسها ألف سؤال وسؤال عن كيف سيكون الموعد في الواقع  وعن اللقاء المُفعم بالشوق والهيام، بعدما كان غرام في عالم الخيال، عبر الصور الجميلة لشاب وسيم يبلغ الثلاثين من العمر ويكبرها بعشر سنوات ألغتها مشاعر التيه في المعسول من الكلمات وقصائد الغزل المصحوبة بباقات الورد الصامتة، العابرة للشاشة كالسراب يحسبه الظمآن ماء. يطوف بذاكرتها صور لليالي الجنون البيضاء المتخطية للحدود، تُراقص الأرواح العالقة في عالم مفتوح على طقوس البوح والاستغراق في التمرد.

  دفعت بلطف باب قاعة الشاي وسط ضجيج خافت وعيونها تتأرجح يمينا ويسارا كفراشة تستشعر مكان الرحيق في أجواء مليئة بدخان السجائر وعبق الشيشة، تبحث عن الشاب الذي واعدها، فتذكرت تركه رسالة في الواتسب فتحتها حينما كانت تهم بالخروج من المنزل، يحدد لها علامة التعرف عليه في مكان الموعد، " ستجديني جالس في الزاوية اليسرى من القاعة بالطاولة الأخيرة، سأرتدي قميصا أحمر اللون وأضع نظارات هاري بوتر وأحمل بيدي جريدة الشعب"، لاح لها القميص الأحمر من بعيد فاتجهت مُسرعة الجوارح صوب الطاولة وهاهي جريدة الشعب تغطي غابة  خيبة الأمل، تقف حائلا أمام  من يضع نظارات هاري بوتر ووجه شيخ  يبدو في عقده السادس، أسمر البشرة، بشعر كثيف أبيض، حاد الملامح، تخُطّهُ تضاريس السنين والخطيئة، ترتسم على شفتيه الجافتين من الحياة ابتسامة مكر ونكوص. توقف نبضها للحظات من فرط الصدمة، قبل توليها إلى الوراء مسرعة على عاقبيها مكسورة الخاطر، بداخلها صمت كالصراخ في الوهم. 

بقلم : فريدة بلفراق

توثيق: وفاء بدارنة 



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق