قراءة لقصيدة ،"شعراء القيم" للشاعر "عمر بلقاضي"
النادي الملكي للأدب والسلام
قراءة لقصيدة ،"شعراء القيم" للشاعر "عمر بلقاضي"
بقلم الناقد المبدع : محمد هالي
قراءة لقصيدة ،"شعراء القيم" للشاعر "عمر بلقاضي"
بقلم : محمد هالي
النص:
شعراء القيم
وجدتُ شعرَك للهداية مَرتعاً
يدعو إلى الأخلاق والإيمانِ
وجدتُ شعرك روضة ً مزدانة ً
أو بحرَ دُرٍّ واسع الشطآنِ
قد فاض بالقول الشجيِّ محمَّلا
بنوادر الألحان والأشجانِ
هو حكمة ٌ محبوكة ٌ مسبوكة ٌ
هو صادعٌ بالحقِّ كالبركانِ
هو نغمة للعزِّ في زمن الونى
أنشودة الأبطال والفرسانِ
فتحية ً يا أيُّها الفحل الذي
أحيا القريض بميزة الإتقانِ
وشدى به كالطّير يصدح في العُلى
فوق الرُّبى في زحمة الأغصانِ
الشّعرُ يا فحل القريض رسالة ٌ
تحي الفضيلة في بني الإنسانِ
الشّعرُ صدق ٌ واحتدام مشاعرٍ
وهُتافُ قلبٍ في رُبى الإحسانِ
الشّعرُ وجدٌ كالمعين إذا ثجا
أو كالدّموع تفيض في الأجفان
الشّعرُ حَشْرَجةُ القلوب إذا شكتْ
بِبُنَى كلامٍ آسرٍ وبيانِ
واصل سبيلك فالبَواكيرُ ارتدتْ
ثوبَ الجدارة في رؤى فنَّانِ
أبدع ولا تدع القريض مُكبَّلا
في نزغةِ الأغراب والغِربانِ.
القراءة:
القصيدة تحمل دلالة للشاعر و أخرى للشعر، هذه الدلالة انطلقت من العنوان نفسه، و يخص فئة معية من الشعراء" شعراء القيم" و القيم هي المبحث الاساسي التي ترتكز عليه السلوكات و التصرفات و المبادئ، و القيم كما يعلم الكل نوعان: قيم تصب في الإيجاب من حيث توجيه الناس الى فعل الخير، و " الهداية" و التوجيه للحق ، و قيم أخرى مناقضة للأولى تتجه لما هو شرير، و دنيء، و حقير، و نشر البغضاء، لكن الشاعر يخاطب شعراء المتحلين بقيم الايجاب، شعراء يدعون للاخلاق النبيلة في المجتمع، لكن الشعراء بعتبرون بني عصرهم، سلالته، يصفون ما تجود به قريحتهم من معاني، من أجل تبليغ الحق إن اقتضى ذلك له سبيلا، شعراء القيم كما يتوخى عمر بلقاضي يعملون على "تحي الفضيلة" ، و هذا المبتغى منتهى ما يتوخاه الانسان في كل عصر من العصور، فجل الفلاسفة حين يصعدون بمراتب القيم يتوقفون عند قيمة الفضيلة.
اذن فالشاعر المرغوب فيه هو ذلك الذي يكتب من اجل بلوغ الفضيلة، و هذه المرتبة لا يصلها الا شاعرا يستطيع نحت قصيدته للتأثير على ما هو اجتماعي إنه الشعر كما يرغب بوجوده:
وجدت شعرك روضة " مزدانة"
أو بحر در واسع الشطآن
هذا الفهم للشعر لا يتوقف عند هذه الامتيازات بل يرقى الى أكثر من هذا، أن يحمل خصائص الشعر الممكنة أن يدغدغ العواطف و يؤثر في وجدان المتلقي أن يكون قريضا بمعاني التقبل، و يتحلى بمبتغى التوجيه لأن يصبح فعلا اجتماعيا، بمعنى أن الشاعر بالحرف البالغ الدقة يعمل على تحريك ركوض القيم كما هي كانت قيم راكضة، و سالبة، و متكدرة في الكمون كأنها في حاجة لذلك القصد من القصيدة:
"قد فاض بالقول الشجي محملا
بنوادر الالحان و الاشجان"
بل اكثر من هذا فالشعر
"هو حكمة محبوكة " مسبوكة "
هو صادع بالحق كالبركان"
و هنا يدعو الشاعر فئة معينة من الشعراء، فهم يتميزون بنوعية خاصة من الكتابة، اي يجب عليهم ان يتحلوا بالحبكة، و المبدأ، و تجسيد لقيم الرسالة المفروض تبليغها من القريض:
"فتحية يا ايها الفحل الذي
أحيا القريض بميزة الاتقان"
فهو لا يخلو من رومانسية توظف ما تجود به الطبيعة في انسيابها، و هدوءها، و بما تحمله من مظاهر تغري الشاعر ان يثقن الشدو كما يفعل الطير:
"وشدى به كالطير يصدح في الغلى
فوق الربى في زحمة الاغصان"
بهذه الصور التي تخلط ما هو منشود بما تحمله الطبيعة من جمال يجب ان يكون الشاعر ضمن منحوتاتها، فهو ناقل لما هو متجسد في الطبيعة، يحاكي بالقول و المعنى المتعالي، من أجل دغدغة القيم الاجتماعية ، هذا هو الشاعر، هو البالغ من الاحساس الرقيق ليبلغ وجدان المتلقي بقصيد الفعل لا مجرد كائن عام يخاطب الاهواء بما هو سطحي، عليه ان يكون عميقا كعمق القيم نفسها، خصوصا في درجتها العليا، مراتب الفضيلة التي يطمح اليها الشاعر.
فمن مخاطبة الشاعر، و تحديد الفعل المنوط القيام به، يتوجه الى تحديد للشعر، فيبرز دلالاته، كما يتوخى ذلك "عمر بلقاضي" :
انه "الصدق" و " مشاعر" و "هتاف قلب"و "وجد" إنه
كالدموع تفيض في الاجفان"
كما أنه" حشرجة القلوب' و هذا يحتاج الى بيان، أي الى لغة للتعبير عن تلك التحديدات السابقة ، إن دلالة الشعر كم يتوخاه عمر بلقاضي هو التحديد الذي ربط الشعر بالوجدان، إنها الذات تتجسد في نرجسيتها لتتحول الى موضوع واصفة بالشعر، فالشعر كما هو وجدان لا يخرج عن الابداع، إنه ابداع من طرف الذات الشاعرة لتصف القيم او تعري القيم الدنيئة لتتحول الى قيم بديلة
ثوب الجدارة في رؤى فنان".
هذا هو الشعر ، إنه عمق الذات لتبلغ مكنونها في الموضوع:الطبيعة و المجتمع و الآخر ، و هنا يختم الشاعر قصيدته بتوجيه للشاعر، او بنصيحة القيم نفسها:
"ابدع و لا تدع القريض مكبلا
في نزعة الاغراب و العربان"
بعد هذا السرد الذي استخرج من خلال مضمون القصيدة نفسها، بتبين أن القصيدة زاوجت بين منحنين اساسين: الاول و هو من الشاعر المنشود و الثاني نوعية القصيدة المتوخى بلورتها، فالشاعر هو المرتبط بنوع معين من القيم، تلك القيم الموجهة للافراد الى بلوغ الفضيلة، و بالطبع هي مرتبة لا يمكن الوصول اليها الا ببلوغ مراتب من الشعراء الى حد محاسبة الضمير، و هنا يمكن ان استحضر ما جسده كانط في كتابه "نقد العقل العملي" باعتبار هذه الدرجة من القيم من الصعب تجسيدها في مجتمع مليئ بالضغائن، و قد انغرس شعراء كثر في تلبية الرغبات الفردية ، و البحث عن تحقيق المصالح الفردانية عوض التفكير في نشر القيم النبيلة الى درجة الفضيلة، غير
"صادع بالحق كالبركان"
و بعيد عن" نغمة للعز في زمن الونى"
بل هو شعر الانبطاح و التوجه الى اعلى مراتب تحقيق الذات عوض تحقيق الفضيلة الاجتماعية النبيلة، فتأتي قصيدته نرجسية ذاتية تتغنى ببذخ الذات، عوض تحقيق بذخ الموضوع، فيصاب المجتمع بشدو قصيدة جافة، باهتة، معزولة عن سياقها كما يطالب بذلك الشاعر:
"الشعر يا فحل القريض رسالة
تحي الفضيلة في بني الانسان"
فيغيب "الصدق' و " احتدام مشاعر"
فتصبح القصيدة ذات ترى نفسها في مآربها الخاصة ، فما احوجنا الى شعر الموضوع، شعر الفضيلة، هو طموح من أجل تجسيد " شعراء القيم" على احسن ما يرام.
ككل قصيدة جميلة الصور، و المعاني، إنها تجمع مميزات الشاعر ضمن تحديد لنوعية القصيدة المتوخى نحتها، يصور لنا عمر بلقاضي تحديدين لا مناص منهما الكيفية التي يجب ان يكون عليها الشاعر، و الكيفية التي ستكون عليها القصيدة..
بقلم : محمد هالي
توثيق: وفاء بدارنة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق