*** المتسول ***
رابطة حلم القلم العربي
*** المتسول ***
بقلم الشاعر المتألق: محمد هالي
*** المتسول ***
بقلم : محمد هالي
الاسم حسام، وضعي بئيس يرثى له، لم يكن هذا من البدء، سأحكي لكم دورة الأيام اللئيمة: كنت ضمن عائلة لا تعاني من العوز بتاتا، صدفة حدث ما لم يكن في الحسبان، والدي يا سادة كان جميلا، رؤوفا، و حنونا، كان كل ليلة أنتظره في المساء، أنتظره بشوق و كانت جوائزه قيمة و لذيذة، حلوى، لعبة...كنت مرحا، فرحا بما يأتي به، أراه ملاكا ككل الآباء، لا يوجد فيه عيب، ربما ستقولون أن هذا الكلام عاطفة الابن على أبيه، و أن هذا الكلام مجرد رؤية أحادية تبجل قريبك، صحيح ما ستقولون، و تهتدون اليه، لكن أبي بالفعل كان كذلك، بل في بعض الأحيان يأتي بجوائز قيمة حتى لبعض أصدقائي، يقدمها لنا ، و هو مبتسما كهلال يضيئ في السماء، رغم كل هذا فأبي فيه عيب شديد، عيب خلف لي صدمات و ازمات كثيرة ، و هو أنه كان متهورا في السياقة، كانت والدتي تحذره من هذا الطيش، و سمعت أصدقائه يحثونه على التأني، لكنه كان لا يستمع لأحد، في هذا الجانب كان أنانيا، نرجسيا، و بسببه حدث ما كان متوقعا، و هذا ما زالت والدتي تردده على مسامعي لحد الآن. فبسبب هذا التهور انقلبت شاحنته في منحدر عميق، فأخرجوه جثة هامدة. في الحقيقة لم أراه كجثة، و لا توجهت الى مكان الحادث، كل ما وصلني بكاء شديد من طرف محبيه، لا أنكر كوني بكيت، و عشت أياما كئيبة، قاسيت فيها آلاما و أحزانا، لكن مع مرور الوقت تقاطرت علينا الهموم أكثر، بعدما طردنا من البيت الذي كنا نكتريه، و النقود التي توصلنا بها من شركة التأمين، نظرا لتأخرها طويلا سددنا بها الديون التي تراكمت علينا، فاضطررت لمغادرة المدرسة، و الاشتغال في كل المهن من أجل إنقاد والدتي، و أختي الصغيرة من التشرد، و ما كنت أخشاه حدث، بالفعل أصبحنا نرتدي الشوارع و الأزقة، و لم نجد من يقف الى جانبنا، فالتجأت الى التسول، وجدتها مهنة سهلة بدون متاعب، بعدما لقنتني والدتي بعض الشخوص التي تجر القلوب الرحيمة، فكنت بالفعل أتلقى بعض الدريهمات فأقدمها لوالدتي في المساء، كنت أتقن البكاء، بل أتصنعه، هذا ما دربتني عليه والدتي، حتى أختي تعرف كيفية تجلب الرأفة. و هكذا اقترفنا الحزن و الألم، و التمثيل، فأصبحنا نتوزع على أمكنة عديدة، أمي في جهة الشرق، أختي جانب الرصيف قبالة الشارع الرئيسي، أما أنا فكنت في الغالب استبدل الأمكنة، حسب الرواج الاجتماعي السائد، هذه حقيقة وجودي، فكنت كإسمي حسام أخيط الدروب و الأزقة، من أجل أجر بسيط فغابت الجوائز التي كنت أتلقاها من والدي، و أصبحت لا ألهو كالأطفال بل أقدم وجها حزينا و أتقن الألم لكي أعيش، أعيش في الألم و به استغيث لعلني أتصيد الحياة، بعدما كنت أصطادها بدون شوائب، و ما اكتشفته أخيرا أن أمي مخرجة أفلام واقعية، بعدما كانت ربة بيت مغفلة، أمي علمتني أدوارا لو بقي أبي على قيد الحياة لرفضها رفضا باتا، و علمني كيفية أتلقى دروسي في أرقى المدارس التي أراها الآن باهتة غامضة كغموض أيامي القادمة.
بقلم : محمد هالي
توثيق : وفاء بدارنة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق