حينما تحكي القلوب ..
النادي الملكي للأدب والسلام
حينما تحكي القلوب ..
بقلم الشاعرة المتألقة: أميمة محمد
حينما تحكي القلوب ..
في تلكَ الليلةِ الخريفيةِ الماطرةِ
قادتني قدمايَ لذلكَ الشارعِ المنسيّ في طياتِ الذاكرة .. لقد كانَ معتمًا
كالظلامِ الذي يسودُ قلبي ..
هناكَ على الناصيةِ.. مقهىً عتيق.. تبدو
عليهِ ملامحُ الشيخوخةِ ..
و بهدوءِ الليلِ الساكنْ ..
دخلتُ ذلكَ المقهى ..
و رحتُ أتجولُ بنظراتي في كلّ الاتجاهات ..
و كأنّي أستعيدُ شريطَ الذكريات ..
نظرتُ هناكْ لتلكَ الزاويةِ
وجدتُ كرسيّان مهترئانِ
و تلكَ الطاولةِ المستديرة
أتصدقون ؟؟!!
لازالتْ تعتليها تلكَ الزهرةُ البيضاء ..
و على بتلاتِها حروفُ قصائدي القديمة ..
الآن.. سأخبركم حكايتي العتيقة ..
كنتُ أجالسُها كلّ ليلةٍ على تلكَ الطاولةِ .
.في الساعةِ السادسةِ
كنتُ أصمتُ و أبحرُ في عينيها ..
حتى السابعة .. حيثُ يبدأ
العزفُ على أوتارِ ذلك الكمان
لتقاطِعني قائلةً..
ألنْ تُسمعني ما كتبتْ ؟؟
فأتناولُ من جيبي تلكَ الورقةَ المزركشة ..
و أبدأ بالسردِ
و أنا أراقبُ ملامحَها
كانتْ تصغي بشغفٍ
و تعتلي
شفتيْها ابتسامةٌ رقيقةٌ
و كلمّا مرّت كلماتُ حبٍ عميقة .. كانتْ
تتوردُ وجنتيها بلونِ العشقْ
و لازلتُ أذكرُ تلكَ اللمعةَ بعينيها تضيءُ حجراتُ قلبي ..
كلمّا مرّت حروفُ اسمِها بين كلماتي
و لازالَ عزفُ نبضِها يدقّ بشراييني
كنّا نحتسي قصائدَ الهوى مع فنجانِ
قهوتِها المرّة... حتى العاشرة
نعمْ إنها العاشرةُ ليلًا ..
كنتُ أقفُ لأساعدَها في ارتداءِ ذلكَ
المِعطف ذو اللونِ الرماديّ ..
ثمّ أرتدي قبعتي ..
و كسيدٍ نبيل.. كنتُ أضعُ البقشيش على
تلكَ الطاولةِ بجانبِ الزهرةِ
و نمضي و يدايَ تحتضنُ كتفيْها ..كنّا
نسيرُ في تلكَ الطرقات ..
لقدْ كانتْ مضاءةً بحينِها ..
لا زلتُ أذكرُ ثرثرَتها ..
و تلكَ الضحكاتِ الطفولية التي تجلجلُ
في روحي ..
كلما سألتُها: هل راقتْ لكِ كلماتي؟
و هاهي الساعةُ الحاديةَ عشرةَ و النصف ..
ها نحن على بابِ منزلِها
لازالَ ذلكَ الوعاءُ يحوي أزهارَ النرجسِ ..
كنتُ أقفُ أمامَها كطفلٍ صغيرٍ
يستعطفُ أمّه ألاّ تُغادر ..
كنتُ أقبضُ على يديْها ..
و أستجدي البقاء ..
فكانتْ تقاطعُني بقبلةٍ بريئةٍ على وجنتيّ ..
وتبدأُ أنامِلها تتسللُ رويدًا رويدًا من بينِ
يدايْ .. ثمّ تلوّحُ لي بالوداع ..
فأخبرُها أنْ تتمهلَ قليلًا لأُخرجَ من
جيبي تلكَ الورقةَ المزركشة
و أُهديها لها .. لأشعرَ بها كعصفورٍ يريدُ
أن يحلّق عاليًا و يغرّدَ أجملَ الألحانِ ..
كانتْ تغدو بخطىً مسرعةً نحوَ بابِها ..
و كأنّها تريدُ أن تحتفل بليلَتها مع تلكَ الكلمات..
و لكني لمْ أكُن أغادرُ حتى
يتوارى خيالُها من خلفِ زجاجِ بابِها
الخشبِيّ الأزرقْ بلونِ السماء!!
ثم أعودُ أدراجي متثاقلًا ..
حتى أصلَ لعنوانيَ القديم
و أدخلُ حجرتي لأستعدَّ لنومِليلةٍ حالمة ..
أتعلمون ؟؟!!
لم أكُن أغسلُ وجهي قبلَ النوم
كنتُ أريدُ أن أحتفظَ بقبلتِها حتى الصباح ...
كنتُ أستلقي على سريري
و يبدأُ عزفُ القلبِ ..
ثم أمسكُ بقلمي و تلكَ الوريقاتِ المزركشة .. لأبدأَ بالنقشِ عليها
استعدادًا لحفلةِ الغدّ ..
و كلمّا هبّت على القلبِ نسماتُ الحنينِ
في ليالي الخريف ...
أعودُ أدراجي لتلكَ الطرقاتِ
أستجدي الذكريات !!!
بقلمي ✍🏾 أميمه محمد
توثيق: وفاء بدارنة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق