*** علمتها الغابات ***
رابطة حلم القلم العربي
*** علمتها الغابات ***
بقلم الشاعر المتألق : عبد الكريم الصوفي
*** ( عَلَّمَتها الغابات ) ***
لَقد أضنتها منغصات الحياة… من غيبة ونميمة وحسد وكذب وخداع … فقررت إعتزال البشر وتقليل الإحتكاك معهم إلا في حالة الضرورة الحياتية الملحة…
على أطراف الغاب… وجدت ضالتها المنشودة بيت صغير دافئ… ونهرٌ دافق… ويمكن تأمين كل مستلزمات الحياة بعيداً عن صخب المدينة وأذية البشر وفضولهم غير المحتمل ...
كانت في منتصف العشرينيات من عمرها… ولديها مدخرات تكفيها لتعيش حياة هنيئة دون أن تحتاج أحد… إنتقلت لذلك البيت الرائع في قلب الغابة المفعمة بالحيوية والنشاط… وزقزقات الطيور وتغريدها منذ بزوغ أولى خيوط الفجر كانت تشعرها بالحيوية البالغة… وتقول لنفسها كيف تستيقظ تلك الطيور من غفلتها وتنطلق مباشرة في سعيها لتأمين رزقها ورزق صغارها
وهي تجد الوقت للتمتع بالحياة واللعب مع الطيور الأخرى ويتبادلون التغريد في تناغم غريب وكأنه لغة حوار حقيقي فيما بينهم وعندما أمعنت أكثر في مراقبتها للطيور وهي تتعاون في بناء أعشاشها ورعاية صغارها وحمايتهم لحين تمكنهم من التحليق والإعتماد على أنفسهم… وتآلف كل جنس من المخلوقات مع جنسه بل وأحياناً مع الأجناس الأخرى… أخذت تدرك يوما بعد يوم أنه لا يمكن إعتزال الحياة والإنكفاء على الذات والتعامل بسلبية مطلقة مع المنغصات التي يمكن أن يواجهها أي مخلوق… وأنه لا بد من التفاعل مع متطلبات الحياة أخذاً وعطاءاً وتفاعلاً مع الآخرين .
وأن المستويات الهابطة من البشر يمكن تجنب شرورهم بالإبتعاد عنهم وعدم إجراء أية صلات لا تناسب المبادئ التي يعتنقها الإنسان السوي… ولكن الحياة مليئة بالبشر الطيبين المتعاونين والأوفياء… وقالت في نفسها لا يمكن أن أكون الإنسانة الوحيدة على وجه الأرض التي تحمل هذا الكم من الطيبة ورهافة المشاعر… ولا بد من وجود الكثيرين مثلي …
وبعد عدة أشهر من العيش المنعزل … توازن سلوكها نتيجة التأمل بتصرفات أنواع كثيرة من الطيور والحيوانات الأخرى … وقررت العودة للحياة بقناعات جديدة تعلمتها من الحياة البرية ومن تلك الكائنات التي لم يعلمها أحد التعاون في مجتمعاتها مع أجناسها … وعيشها بسعادة مطلقة تسودها القناعة بما يمنحها ربها من الأرزاق دون أن تحس بأي طمع أو حسد أو أيَّةِ رغبة بالإنتقام… أو أية نزعة سلبيَّة لإعتزال الحياة … أو البعد عن أفراد جنسها ...
فعادت إلى مجتمعها ... في حيوية مضاعفة وتمكنت من إيجاد نفسها والتوازن مع محيطها ... وأيقنت أن الغابة وما فيها من المخلوقات إنٌَما تعيش على فطرتها التي فطرها الله عليها وأنه يمكن لها أن تعطي الحكمة لبعض المجتمعات ... بأن التنوع والإختلاف في الأفكار والطباع والعقائد والأعراق لا يمنع من التعاون المثمر للنهوض بالحياة ... وبالمجتمع وتطويره لمصلحة جميع السكان مهما تباينت أفكارهم وعواطفهم وأهواءهم ... وأنه من غير المقبول إستئصال أي فصيل أو جنس أو نوع مهما كانت المبررات ... وأنه عبر ألوف السنين من الحياة البرية في البوادي والغابات لم يحصل أبداً أن قسمت الغابة أقساما لكل جنس من الأجناس
فهل يمكن للبشر أن يأخذوا الحكمة من مجتمع الغاب ؟
بقلم : المحامي عبد الكريم الصوفي
اللاذقية ….. سورية
توثيق : وفاء بدارنة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق