الجمعة، 13 سبتمبر 2024


***‎ ‎موت الشاعر. ***

النادي الملكي للأدب والسلام 

***‎ ‎موت الشاعر. ***

بقلم الشاعر المتألق: طلعت كنعان 

***‎ ‎موت الشاعر. ***

‎هنا بقي، يحمل نعشه الأخير ولم يرحل،

‎لم نودعه هو من وودعنا. قتل آخر كلماته بصمت حين فقد معجم اللغات أمام آخر الآيات على قبره الصغير قبل أن يرحل.

‎رأيته يشعل آخر سيجارة له أمام فتحة صغيرة أسماها نافذة،

‎كتب عليها اسمه وعنوانه وتاريخ ميلاده.

‎ اسم أولاده؛‎لأنهم لم يولدوا بعد، لم يكتب.

‎غريب حين قال لي أن له مئات الأولاد.

‎وتساءلت كيف يعيش وحيدا؟

‎لم يسمح للهواء بدخول قاعة بيته الصغير، لأنه أراد الانتحار على غصن وردة،  فحمل أول شوكة لها، وغرسها بقلبه، ولم ينزف دما بل. 

‎أشعارًا وقصص.

‎ورمى على قبورنا كل الورود، وكتب حروفاً يرثي رحيل وهجرة السفن الأخيرة.

‎، وتحطم سفنا على أول رصيف وشاطئ ببلاد الهجرة

‎ سمعته يصرخ أحيانا،

‎لماذا تكذبون وتصوروا التاريخ بلا نقاط؟

‎تريدون قتل الشعراء دون ذنب.

‎كان الصمت سيدنا.

‎هل يكتب الشعراء سطورا دون نقاط وحروف؟

‎قد يكتبون بعيونهم ألوان الحياة، وزغاريد العصافير المهاجرة.

‎كان يقف خلف قوس قزح، وينظر انعكاس صورته الأخيرة كآخر الرحالة بعصر الأموات الأحياء.

‎قال بصوت عال أرثي أرواحكم أيها الأحياء

‎أنا أرفض كل العهود.

‎حتى خريطة العودة وأركان الصمود.

‎لم يكن قلمي من حبر، فقد أهدتني إياه الأحلام، هو وحي يكتب المستقبل بحروف من ذهب، وكلمات من الواقع، وأحيانا ينزف كاي ضحية على أعواد المشانق.

‎أنا الشاعر.

‎الذي لم يمت، بل وقف على قدميه ينظر حفلة الرحيل إلى اليوم الآخر ولم يركع.

‎كتب لنا عن الشوق خرافات وعن الألم أجمل المعاني وأنبلها.

‎فأصبحت أشتاق لأمي، وخبز أمي ودمع أمي.

‎لم يكن مسيحيا ولا مسلما ولا يهوديا، بل سمو دينه الجديد حبر الحقيقة، فهو وحده من حطم الحواجز كلها، ليكون أقرب إلى الله ممن يدعون النبوة بعصر النفاق والجاحدين، ولم يدعي  النبوة بعصر لا أنبياء به.

‎بل كتب أشعاره 

‎فجلس على كل عرش الحقيقة بكبرياء، وضخ الحبر دما ودمعا.

‎فتعالت قصائده ليست حروفا.

‎نعم هو، ‎ بل جمر وشعاع من نار.

‎آخر وأول الشعراء.

‎لم يغن، فقد كره الغناء بزمن الجاحدين، والمنافقين والتجار.

‎ورحلنا كلنا، وتركنا خلفنا مجاهد يحمل حدائق البرتقال، ورائحة أريحا، وصوت بيروت، وأمواج البحر، وصرخات فيروز والمن والسلوى، وسفرجل الشام وقات اليمن. ودق أجراس العودة.

‎ويا قدس.

‎رحلنا ولكنه بقي واقفا، أبى أن يموت إلا قريبا من البحر، ليمتطي آخر القوارب باتجاه الوطن.

‎أبى أن يحفر قبره وحده بعيدا عن كل المقابر

‎فحفر حفرة صغيرة بين سطور الشعر، والصفحات؟ ونام على آخر صفحة.

‎فقص علينا كيف تغرق السفن حين تهاجر، وكيف يموت العظماء واقفين دون الركوع.

‎وكيف تسقط دمعات أمك حين تحن إليك؟

‎حدثنا عن خبز الأم، والشاي وصوتها، وقهوة الأب.

‎علمنا كيف  تغرق الفراشات ‎

أمام الأعاصير، وكيف يموت قوس  قزح؟

‎ورسم لنا أثواب الفلاحات بأجمل الألوان، وصراع الأرض مع أغصان وجذوع الزيتون.

‎ولم يرحل.

‎حدثنا عن الفرات ودجلة ورحلة الصيادين بين أمواج الدموع، ورحيل الابن قبل أبيه وأمه.

‎ودعنا حين متنا، ولم يمت، وبقي الحي والشاهد الوحيد على هجرة العصافير من عشها، راحلة فوق علو السحاب تحمل ما تبقى من الضمير المسروق.

‎فلا وداعا أيها الشاعر.

‎فأنت البقاء.

‎وأنت الزمن.

‎بقلم : طلعت كنعان

توثيق: وفاء بدارنة 



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق