الخميس، 31 أغسطس 2023


قراءةٌ بسيطةٌ لنصٍّ أدبيٍّ..

النادي الملكي للأدب والسلام 

قراءةٌ بسيطةٌ لنصٍّ أدبيٍّ..

بقلم الناقد المبدع: صاحب ساجت 

قراءةٌ بسيطةٌ لنصٍّ أدبيٍّ..

  (حاكِميَّةُ الحَواسِّ عَلـىٰ نَصٍّ أَدبيٍّ)

     (النصُّ "صَيفٌ أزرقُ".. مثالًا)

تَقديمٌ..

     الحاسَّةُ نافذةٌ طبيعيةٌ بينَ المرءِ

وَ العالمِ الخارجي، ذاتَ أهميّةٍ عاليةٍ لمعرفةِ أحداثٍ، أو تحليلِ مواقفَ تُواجهُ المرءَ عنْ طريقِ فهمِ كيفيةِ حدوثها وَ الشعورِ وَ الإحساسِ بها.

      وظيفتُها الأساسيةُ التواصلُ بينَ الكائناتِ، وَ اكتشافها وَ معرفةُ ماهيتها، بالتكاملِ مع وظائفِ حواسٍ أُخرىٰ، تربطُ الوجودَ الخارجي بذهنيتهِ!

  تكاملُ وظائفِ الحواسِّ:-

       أيُّ حاسَّةٍ لوحدِها لا يكتملُ دورُ وظيفتها، لتُؤدي الغرضَ من وجودِها 

إلَّا بمؤازرةِ وظائفِ بقيةِ الحواسِّ، حتىٰ يتكاملَ إشعارها للذهنِ، وَ هو بدورهِ يُترجِمُ تلك الإشعاراتِ إلـىٰ منهجٍ واقعيٍّ يمكنُ تطبيقهُ علـىٰ أرضِ الواقعِ، وَ تنفيذهُ بالجوارِحِ ــ عمليًا، أو بالجوانِحِ قلبيًا، وَ فكريًا ــ نظريًا..

    لكلِّ حاسَّةٍ فسلجيًا أداةٌ، أو جارحةٌ، 

وَ أحيانًا تشتركُ أكثر من جارحةٍ في أداءِ المَهَمَّةِ الذهنيةِ.


أصلُ الموضوعِ:-

نصٌّ أدبيٌّ بعنوانِ:- صيفٌ أزرقُ

الكاتبُ:- الشاعر حسين السياب

النصُّ:-

         " صيفٌ أزرقُ "

كأنَّكِ شمسٌ ثابتةٌ

وَ أنا أرضٌ أدورُ حولكِ.. 

في كلِّ مرةٍ..

تَسَّاقطُ مني الذُّنوبُ 

ترسمُ في الفضاءِ هالةً عظيمةً 

تُشبِهُ عينيكِ

لكنها لا تُغْتَفَرُ!

أُحَدِّثُك ليلتها..

عن عطرٍ بلون الندى 

يُصْلَبُ على صدركِ 

عن صيفٍ ازرقَ،

يبات فيه قمحٌ وفيرُ

على أطرافَ يديك..

يا كُلِّي وَ قطعةَ سكرٍ..

رَحماكِ!

اشتقتُ لعينيكِ بلا وجل!

     (حسين السياب/ العراق)


الإحساسُ وَ الشعورُ في النَّصِّ:-

       ابتداءً وضعنَـَا إطارًا فسلجيًــا

وَ وظيفيًا للحواسِّ، علينا أن نثبتَ ذلك. فالعباراتُ الآتيةُ تؤكِّدُ ما ذهبنا إليهِ بما يخصُّ حاكميةُ الحواسِّ علـىٰ مجرياتِ النصِّ:-

(صيف أزرق، هالة عظيمة، لون العينين، لون الندى، عطر الندى، قطعة سكر!)

هُنا.. لَولا هٰذه العباراتُ، ما كانَ للنصِّ قَوامٌ ذو معنىٰ نقرأهُ وَ نستمتعُ بهِ، فالكاتبُ أرادَ تحشيدَ هٰذه العباراتِ، لوضعِ المتلقِّي في غابةِ تخيلاتٍ أو خواطرَ، اِحتفظَ بها مسبقًا، وَ أوحىٰ الكاتبُ إلـىٰ عقلِ المتلقِّي  الباطنِ، ليستدعي صورًا مُخْتَزنةً فيه، اِكتسبها من بيئةٍ يعيشُ فيها.

     وَ التخيلاتُ العارضةُ تدخلُ في دائرةِ حديثِ النفسِ ــ الخطابُ هُنا مُوجهٌ تحديدًا إلـىٰ المُتلقي ــ طالَما ليسَ فيها هَمٌّ وَلا عزمٌ علـىٰ معصيةٍ، 

أو خلافِ الفطرةِ السليمةِ.


الصورةُ أم الكلمةُ؟

لَعَمرُكَ ما الأَبصارُ تَنفَعُ أَهلَها

          إِذا لَم يَكُنْ لِلمُبصِرينَ بَصائِرُ

     (ابو فراس الحمداني)

تشكيلُ الصورةِ أو تخطيطها، بريشةِ الرسمِ وَ تلوينها بضرباتٍ فنيةٍ.. تُثيرُ إحساسَ الرَّائي لها، وَ تَلوي عُنقهُ كي يعيدَ النظرَ أو يتمعنَ فيها مليًّا. 

     بينما لو أَقْنَعنَا مُبدعًا ما.. بصورةٍ رُسِمتْ بمفرداتٍ لُغَويَّةٍ، ذاتَ دلالاتٍ 

وَ مَعانٍ مستقلةٍ عن فنِّ الرسمِ وَالتشكيلِ بالرّيشةِ وَ الألوانِ.. 

يُصْبِحُ الأمرُ فيه نظرٌ، وَ للذوقِ تأثيرٌ واضحٌ في قبولِ أو رفضِ هٰكذا إبداعٍ، وَ ما أنتجَهُ علـىٰ المستوىٰ المنظورِ وَ المعقولِ..

    فَدلالةُ وَ بلاغةُ الكلمةِ، وَ مخارجِ نُطقِ حروفِها وَ حركاتها وَ سكناتها.. كُلَّها تلعبُ دورًا في فهمِ وَ استيعابِ الصورةِ.. لٰكنِ المرسومةُ بالكلماتِ!

بهٰذا الإسلوبِ واجهَ الكاتبُ المُتلقّيَ،

وَ جعلهُ يتلمسُ طريقهُ بين كلماتِ

نصٍّ تحملُ لونًا وَ طعمًا وَ رائحةً!


لُغةُ النّصِّ:-

  زَخَرَتْ لغةُ النَّصِّ بالحِسِّ وَ الشعورِ الوجدانيِّ، هدفُها واقعٌ نعيشُهُ، مُشبَّعٌ بعالمِ الصّورِ وَ الأَخيلةِ، وَكلماتٍ ذاتَ معانٍ شفّافةٍ، تُوحي بجمالٍ فنيٍّ راقٍ، يُبْرِزُ دقَّةَ الوصفِ وَ التعبيرِ، بإسلوبٍ سَلسٍ وَسَهلٍ مُستساغٍ، دونَ تعقيدٍ، 

أو تَلغيزٍ!

بحيثُ نَجحَ كاتبُ النصِّ في كَشفِ أفكارهِ دونَ غموضٍ، أو ضبابيةٍ، 

وَ كتبَ بلُغةٍ تُناسِبُ مَوضُوعَتَهُ أوّلًا، 

معَ حرصِهِ علـىٰ ما يَستَسيغُهُ ذوقُ المُتلقِّي.. ثانيًا.


أخيــــــــــــــرًا...

          لا أرَىٰ ضرورةً تُلزمُني عَلـىٰ تفكيكِ النصِّ وَ تقويمهِ، أو تحليلهِ

نقديًّا، للإعتباراتِ الآتيةِ:-

* لمْ أطرحْ قلمي للنَّقدِ، إنَّما لقراءةِ 

نصٍّ وجدتُ فيهِ ما تكلمتُ عنهُ آنفًا.

* مادةُ النصِّ المعروضِ أمامَنا، ليسَ

فيها ما يَستوجبُ الخوضَ في أعماقِها، كونَها مادةً قصيرةً لخاطرةٍ شعريةٍ، صِيغَتْ بكلمات بليغة، وَ امتازَتْ بالمحسِّناتِ البَديعيةِ مِنْ صورٍ وَ استعاراتٍ وَ تشبيهٍ، عَبَّرتْ عَمَّا يخطرُ في قلبِ وَ عقلِ كاتبها.

* أتركُ تناولَ النصِّ منْ زاويةِ النقدِ وَ التقويمِ.. لِذوي الإختصاصِ وَ أصحابِ الشَّأنِ. 

        كلُّ التقديرِ للمُبدعِ كاتبِ النصِّ

" حسين السياب "، وَ أرجُو أنْ يتقبَّلَ 

ما قَرَأْناهُ - وَ بكلِّ تواضعٍ- في نصِّهِ، 

منْ مُؤثراتٍ حِسِّيةٍ، أجادَ في اِستعمالِها لجذبِ ذهنِ المُتلقِّي وَ محاكاةِ خاطرِهِ وَ وجدانهِ، وَ إمْتَاعِه.. بَلْ مُؤانَسَتِهِ في قراءَتِهِ دونَ ثقلٍ أو  سَردٍ مُطوَّلٍ أو تَكلّفٍ.. في نقلِ خاطرتِهِ البديعةِ بِحقٍّ!

          مع أطيبِ التحياتِ

      بقلم :  (صاحب ساجت

/العراق)

توثيق: وفاء بدارنة 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق