الرحالة – الفصل الخامس: التحدي والوحدة
النادي الملكي للأدب والسلام
الرحالة – الفصل الخامس: التحدي والوحدة
بقلم الكاتب ياسر إبراهيم الفحل
الرحالة – الفصل الخامس: التحدي والوحدة
بقلم: ياسر إبراهيم الفحل
دبَّ الشفاء في جسد عبد الرحيم، وانتعشت الروح من جديد في كيانه، فعاد الأمل يضيء عينيه بعد أيام من الوهن.
بدأت رحلة التحدي للأخوين، وقررا أن يواجها معًا صعوبات اختلاف القبائل وكثرة مشاكلها التي تنشأ من أتفه الأسباب، وعاداتها البالية العقيمة التي لا تمت إلى ديننا الحنيف بصلة.
واجه واصل غلظة بعض أبناء القبائل، الذين كان ديدنهم أن يأكل القوي الضعيف؛ فيسلبون حقه ولا ينصفونه مهما كان له من دليل أو برهان، بل ينصرون أخاهم بعصبية وحمية، حتى وإن كان ظالمًا وآكلًا للحقوق.
ورغم هذه التحديات، بدأ الأخوان في إدارة الميراث الذي آل إليهما؛ شركات ممتدة في ربوع الأمة وأطرافها. فلهما في مصر شركات، وفي البحرين أخرى، وفي العراق وليبيا فروع متعددة، وكلها تحتاج إلى رؤية جديدة وروح إصلاحية.
وهنا اقترح واصل على أخيه عبد الرحيم أن يتواصلا مع أبناء هذه الشركات، يحدثونهم عن حلمهما، وعن آمالهما في الأخوة والمحبة، والوحدة والترابط، والألفة والتعاضد، لعلها تكون بذرة لوحدة أكبر تتجاوز حدود المال، وتصل إلى قلوب الناس.
فاقترح عبد الرحيم أن يُقام (يوم المحبة)، يجتمع فيه أبناء العراق مع إخوانهم من باقي البلدان، ليتناقشوا ويتسامروا ويقترحوا الحلول للعقبات التي تواجههم، في أجواء تسودها المودة، وتعلو فيها راية الصفاء، حتى تذوب الفوارق وتبقى الأخوة هي الرابط الأقوى.
وانتشر الخبر في أرجاء القبائل عن يوم المحبة، فتنافس الجميع بكرم العروبة أن يثبت كل واحد منهم أنه من روح أخيه، يبذل بمحبة ما يُسِرّ قلبه، ويقدم ما يفرح فؤاده، حتى صار التنافس في الخير أروع من أي احتفال، وبدأت ملامح الوحدة تشرق كفجر جديد يبدد ظلام الفرقة.
وفي صباح يوم المحبة، كانت الساحات الفسيحة تزينها الأعلام، ورائحة القهوة العربية تفوح في الأجواء. جلس الشيوخ على أطراف المجالس يراقبون الشباب وهم يعلقون الزينة، بينما ارتفعت أصوات الطبول الخفيفة ترحب بالوفود القادمة.
بدأت القوافل تتوافد من كل صوب؛ رجال من العراق يعانقون إخوانهم من مصر، وأبناء ليبيا يصافحون أبناء البحرين، وفي العيون دموع فرح صادقة.
وقف واصل مبتسمًا وهو يراقب المشهد، وهمس لعبد الرحيم:
— أترى يا أخي؟ كأن الجدران التي بين القلوب بدأت تتهاوى.
ابتسم عبد الرحيم وأجاب:
— هذه هي البداية، إذا اجتمعنا على المحبة فلن يفرقنا شيء.
جلس الحاضرون في حلقات وبدأ الحوار بينهم، يتحدثون عن مشاكل التجارة، وكيف يمكنهم مساعدة بعضهم البعض، وتبادلوا قصص النجاح والتحديات. كان كل مقترح يولد ابتسامة، وكل حل يوقظ في النفوس أملاً جديدًا.
وفي المساء، اجتمع الكل حول مائدة كبيرة، لم يُفرّق فيها بين ابن قبيلة وآخر؛ الكل يأكل من نفس الطبق، والضحكات تعلو فوق كل صوت. ثم وقف أحد شيوخ العراق وقال بصوت مهيب:
— اليوم شهدنا أن الدم واحد، والهم واحد، وأن الكرم ليس في المال فقط، بل في مدّ اليد والروح للأخ قبل أن يطلب.
صفق الجميع بحرارة، وامتلأت القلوب بصفاء نادر. شعر الأخوان أن حلمهما بدأ يتحقق، وأن هذا اليوم سيكون شرارة لأيام أخرى من الوحدة، حتى يصبح الوطن الكبير أسرة واحدة.
وهنا وقف واصل بين الجميع، ونظر في وجوههم واحدًا واحدًا، ثم قال بصوت مفعم بالإيمان:
— هنا بدأ التحدي والصمود… إخوة المحبة، فنحن أمة واحدة، وجسد واحد.
فكبر الجميع، وانتعشت روح الأخوة والمحبة والعروبة في قلوب الحاضرين، وتلألأت العيون بدموع الفرح، وكأن التاريخ نفسه يبتسم لهذا اليوم المشرق.
توثيق: وفاء بدارنة


ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق