الخميس، 31 يوليو 2025


# الطريق إلى السماء #

النادي الملكي للأدب والسلام 

# الطريق إلى السماء #

بقلم الشاعر المتألق: عمر أحمد العلوش 

# الطريق إلى السماء #

أتذكّر تلك الليلة؛ الليل طويل، والهواجس تنبح في داخلي ككلابٍ جائعة.

أحاول أن أهرب منها، لكنّها تلحق بي. أُدير وجهي فلا وجهة لي، وأحاول أن أفرّ من نفسي، لكنّها كانت أقرب إليّ.

أنظر في سقف الليل، أبحث عن ملجأ، عن اسمٍ أُردده فلا أُخذل.


كلّ ما فيّ يضجّ بالصمت، بالصراخ، بالتعب.

لم أعُد أُجيد الدفاع.

ضيقٌ لا يُرى كان يضغط على صدري، كأنّي أحمل الكون كلّه في قلبي، وأتنفس من خرم إبرة.


كنت أختنق.

لا عاصفة تهبّ، ولا مواجهة تحاصرني، لكن ضيقًا صامتًا كان يضغط على صدري فوق ضلعٍ هشّ.

أغمضتُ عيني لحظة، وابتلعتُ وجعي بصمت.


سمعتُ صوتًا داخليًا يهمس لي بقوله تعالى:

﴿وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ ۝ فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ﴾ [الحجر: 97-98].


لم أبحث عن آية تُنقذني، بل عن لمسة، عن كلمة تُشبه ملامحي المبعثرة، عن شيءٍ يُعيدني إليّ.

أغمضتُ عيني مرة أخرى، وسقط داخلي ذلك الصوت الإلهي في سكونٍ يشبه الاعتراف.

كأنّ الله رأى قلبي دون أن ينتظر كلامي.

كأنّه قال لي: أعلم ما فيك، فتعال.

لم يقل: اشرح نفسك. ولا قال: دافع عنها.

قال فقط: اذكرني واسجد.


فكنتُ عاريًا من التبرير، نقيًّا من الظنون، خفيفًا.

السجود وحده يعرفني، هو الموضع الوحيد في الأرض الذي لا يُشترط فيه أن أكون قويًا أو واضحًا أو مفهومًا.

يكفي أن أقول هناك – بصوت القلب لا اللسان –: يا رب، أنت تعلم.

وهذا وحده يكفيني.


هناك، على الأرض، وأنا أضع جبيني في حضرة من لا ينسى،

أغلق أبواب العالم وأطرق بابه.

وما دام بابه مفتوحًا، لا يهمّني من أغلقوا وجوههم في وجهي.


لقد فهمتُ أخيرًا أن الضيق ليس النهاية، بل هو بداية لطريقٍ آخر أجمل.

السجود ليس هروبًا بل عودة،

ليس استسلامًا بل اعترافًا أصيلًا بأنّ القلب لا يستقيم إلّا حين يسجد.

هو انتماءٌ للرحمة، لحظة تُغلق فيها كل الأبواب وتطرق بابًا واحدًا:


يا رب، أنت تعلم، وأنت الأعلم.


ما دامت الأرض تتّسع لسجدة، فالسماء ليست بعيدة.

✍️ بقلمي: عمر أحمد العلوش

توثيق: وفاء بدارنة 





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق