*** على الرصيف ***
النادي الملكي للأدب والسلام
*** على الرصيف ***
بقلم الشاعر المتألق: عزيز شرحبيل
*** على الرصيف ***
قصة قصيرة جدا....
عرضت على الرصيف مبادئي، فهي آخر خصلة من شعر زوجة أيوب واغلى ما صرت اتحوزه...
وقد كنت عليها دوما حريصا كما يحرص الاب الراعي على عذراء في دير موصد...
سقيتها من زهرات الشباب أمدا... واسكنتها في جوفي مكانا لا تستباح فيه ولا تتبهدل حتى غزت فيالق الشيب هامتي..
وكنت كحال ابخل البخلاء يكاد يفتك به الجوع وهو يتحوز دينارا ذهبيا يقلبه بين اصابعه ثم يعيده الى حيث يتوارى بعيدا عن اعين الجن والانس يكبح جماح جوع بطنه حتى لا يفارق ديناره ، لا اقايضها بمال او مصلحة او قضية... ظننت انني بعرضها للبيع افتح مزادا تتسابق فيه الأرقام إلى الارتقاء دون أن تفلح العيون في احصائها وتتهافت علي العروض المغرية فاغترف من متاع الحياة ما اغترف غيري؛ الا انني وجدتني أقف عليها في زاوية من الرصيف المهمل وقوف الدهر لا يساومني عليها مساوم بعدما باع الجميع، واصبحت المبادئ سلعة منتهية الصلاحية لا ينال حاملها الا العداوة والتأفف والتقريع او السخرية المهموسة في احسن الاحوال...
هممت ان ارفسها وامعن في ذلك امعان المخدوع في صاحب ثقة، المنكوب في افكاره، فاذيقها من كأس المهانة ما اذاقتني من كأس العزلة والاختلاف مع السرب، هممت ان اسخرها بلا مقابل فاجعلها خادما مطيعا لسيد تافه وان انزوي الى ذلك الطبل الكبير اقرعه كما لم يقرع من قبل، وانفث على بطنه غضبي الساكن في دهاليز الزمن؛ لكنني رأيت في عينيها شموخا لا تكسره عصا ولا يذيبه ماء ذهب، رأيت فيها شيئا من صرامة التاريخ الذي يعيد كل أحد الى مكانه الصحيح، ويسمي الأشياء بمسمياتها، فعانقتها وبكينا في صمت وجيز كأنه سرمدي ثم اعدتها الى مشتلها وانصرفت مغادرا الرصيف نحو ما كان....
بقلم : عزيز شرحبيل
توثيق: وفاء بدارنة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق