الثلاثاء، 16 سبتمبر 2025


النُّورُ وبَقايَا أصوَاتٍ فِي مَهَبِّ الرِّيحِ

النادي الملكي للأدب والسلام 

النُّورُ وبَقايَا أصوَاتٍ فِي مَهَبِّ الرِّيحِ

بقلم الشاعر المتألق: م. فتحي فايز الخريشا 

.   * النُّورُ وبَقايَا أصوَاتٍ فِي مَهَبِّ الرِّيحِ *   الصَّمْتُ المُطْبَقُ المَلْعُونُ خِنجَرٌ مَسنُونٌ يَغُوصُ فِي صَدرِ الأُمَّةِ بِالسُّمُومِ،

يَشُقُّ فؤادِ قَلْبَهَا بِأُجَاجِ ملحِ مكبُوتِ الدُّمُوعِ،

يَفْتَتِحُ خَاصِرَتَهَا لِسُمٍّ يَسْرِي فِي العُرُوق كالحَرِيقِ فِي الحُقُولِ،

كَالبُركَانِ المُتساقطِ بالدَّمَارِ يَذرُوهَا قاعًا صَفصَفًا لليَبَابِ،

وبقايَا أَصوَاتٌ تتجمَّعُ تحت قِبَابِ الٱستِعبَادِ،

مُبَعْثَرَةٌ تَتَرَنَّحُ في دَنَدَنَةِ الأبَاطِيلِ والأوهَامِ والظُّنُونِ،

تَتَسَاقَطُ مَثلَ نُوتَاتِ ٱختِلَالٍ مُمزقة لِجَوفِ فرَاغٍ مُطْبِقٍ تملأُها بحسرَّةِ الشُّجُونِ،

أصواتٌ كنَشِيجِ الحَرِيضِ عَلىٰ فِرَاشِ مُزمِنِ السَّقَامِ،

كشهقاتِ محتضَرٍ فوقَ رَمَادِ المَآقِي مِنْ شَقوَةِ الآلامِ،

كنَغْمَةٌ نَشَازٌ فِي سِمْفُونِيَّةِ الوُجُودِ،

تخْتَرِقُ صَدْرَ الأفقِ كَخَطٍّ مُعْوَجٍّ فِي مَدَىٰ ذُلِّ الٱرتِدَادِ،

حَتَّىٰ يَصِيرَ النَّبضُ صَمُوتٌ في الأُمَّةِ بِلَا دِفءِ،

والحَيَاةُ أَنفَاسًا تُحَاكِي رَجْعَ الوَتَرِ المَقْطُوعِ،

أصوَاتٌ شَاحِبَةٌ َتَمَوَّجُ فَوقَ رَمَادٍ بِلا جَمرٍ،

ولَا صَدًى مِنهَا يُلامِسُ وَترًا لِنَشِيدِ نُهُوضٍ،

فَالآذَانُ وَقَعَت أَسِيرَةُ التَّضلِيلِ،

غرقت فِي مُستنقعٍ من سُكُونٍ مـُنـتِنٍ،

أصوَاتٌ تُفْسِدُ عَلَىٰ الإِنْسَانِيَّةِ إِيقَاعَهَا المُتناغمِ علىٰ سُلَّمِ الٱرتِقاءِ،

أصواتٌ مَا لهَا مِنْ سَمَاعَةُ مِن أنفُسٍ مُلوثةٍ غَارِقَةٍ فِي مَنَاقِعِ العُفُونَةِ والأَنتَانِ،

فَاضحَكُوا يَا بَنِي الأمَّةِ إِنْ شِئتُمْ بِقَهْقَهَاتِ التَّوَاكُلِ والخُمُولِ،

وٱمرَحُوا عَلَىٰ أَرَاجِيحِ الغَبَاءِ،

الغَدُ يَعزِفُ لَكُمْ لَحنَ السُّقُوطِ،

يُسْقِطُكُمْ مِن عَلَىٰ مَا بينَ أيديكُمْ مِن بَعضِ أَمَانٍ،

فَالغَدُ لَن يَرْحَمَكُمْ حِين يدرَأكُمْ لِأَحطَ الاِنهِزَامِ،

الغَدُ آتٍ لِيَسْحَب البِسَاطَ كُلَّهُ مِن تَحتِ أَقْدَامِكُم الغَائِصَةُ فِي الأوحَالِ،

أراضٍ تُسحَبُ ويُكشَفُ الغِطَاءُ، 

رُؤُوسٌ تَتَدَحرَجُ بِآذَانٍ صَمَّاءَ عَلَى زَلَّاجَةِ عُصبَةِ العَمَاءِ،

الغد يَدفَعُكُمْ لِهَاوِيَةٍ لَا قَاعَ لَهَا لِقبضَةِ الفَنَاءِ،

وحِينَ تَفْزَعُونَ فِرَارًا لِلعَرَاءِ،

لَنْ تَجِدُوا نَبضًا لِوَتَرٍ سِوَىٰ أنتُمْ عَلىٰ مِنَصَّاتِ الصَّمْتِ فوقَ الوَحلِ،

لَنْ تَجِدُوا لِلقَدَمِ مَوطِئًا خَلَا الحَظَائِرِ الَّتِي ستَسْتَقبِلُكُم لِلذَّبحِ كَالأَغْنَامِ،

صَمْتٌ مُطْبِقٌ والأَرضُ حَظِيرَةُ ذَبحٍ والنَّاسُ قطعانُ دَوَابٍ،

الناسُ كُلّهُمْ إلَّا قليلًا مُسَيَّجِينَ بِالصَّمْتِ والذُّلِّ،

مُقَيَّدِينَ بِسِلَاسِلِ الغَفْلَةِ والجُبنِ،

ولكن أَيُّ وَجْهٍ هَذَا الَّذِي يُضِيءُ مِن عُمقِ الجِرَاحِ،

يَسطَعُ بِضِيَاءِ الحَقِّ مِن وَسَطِ سُدُومِ الضَّبَابِ،

أَيُّ فُؤادٍ هَذا الَّذِي يَتَفَجَّرُ مِن كَثِيفِ دَامِسِ الظَّلَامِ،

يَسْرِي كَخُيُوطِ شِفَاءٍ خَفِيَّةٍ لكُلِّ دَاءٍ،

يَشُعُّ كَومِيضِ النُّجُومِ فِي لَيلٍ الغَيْهَبَانِ،

لِيَفْضَحَ صُورَةَ الأُمَّةِ سَاكِبًا نُورَهُ عَلَىٰ مَا بَقِيَ فِيهَا مِن صَفَاءِ رُوحٍ،

يَدعُونَا لِنَرَى أَنَّ النُّورَ لَا يُولَدُ إِلَّا مِن قلبِ الظُّلمَاءِ،

وأَنَّ السُّقُوطَ نَفْسَهُ قَدْ يَكُونُ مِرقَاةً لِلصُّعُودِ،

مَقَامًا يُفْضِي إِلَىٰ لَحنِ السَّناءِ،

فَمَا الأُمَّةُ إذنْ إِن لن تُصغِي لِندَاءِ إرادةِ الٱنتِصَار،

إِن لَمْ تَجدّ صعودًا لذَروَةِ العَليَاءِ،

ومَا الحَيَاةُ إِن لَمْ تُفَجِّر رَنَّةَ صَوتِهَا فِي وَجْهِ الأعدَاءِ،

تُرسلُهَا جوقةً تُعَانِدُ الصَّمتَ والكُسَاحَ والفنَاءَ،

سِيمفُونِيَّة ُتُرَدِّدُ أنغَامَ الكِفَاحِ، 

تَنسِجُ فِي الرُّوحِ أجنِحَةَ الحُرِّيَّة ورَونَقِ البَهَاءِ،

أفنَبقَىٰ نغمَاتٍ مٌضطربَة تُسَاقُ لِلاِجْتِثاثِ ومَقَابِرِ الإقْصَاءِ، 

أَفَنبقَىٰ ظِلَالًا عَلى زَحَافةِ الأرضِ قدَّام الصّولجَان لِلهَروَلَةِ خلفِ أسيَادِ الطُّغيَانِ،

هَلْ نَبقَى أَشْبَاحًا تُسَاقُ لِأخيلَةِ الٱرتِيَاعِ،

أَمْ نَصِيرُ شُهُبًا تُبدِّدَ الصَّمتَ ..

تحاربَ القعسَاءَ وتحرقُ الجَهَلاءَ،

بُرُوقا تمتح السَّحابَ قطرًا للنَّمَاءِ،

رُعُودًا تَشُقُّ غِربِيبِ الصَّمتِ وجَبِينِ الإغضَاءِ،

شُمُوسًا تَشرقُ بِضِيائِهَا على الظَّلَامَ،

فَمِن جُرحِ اللَّيلِ البَهِيمِ يشرقُ النُّورُ، 

يُشرقُ النُّورُ زَاهِرًا يُغَنِّي نشِيدَ الصُّعُودِ.

     من ديوان حديقة النور لمؤلفه :     المهندس فتحي فايز الخريشا

توثيق: وفاء بدارنة 



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق