الثلاثاء، 12 أغسطس 2025


*** حبيبة الإنسان. ***

النادي الملكي للأدب والسلام 

*** حبيبة الإنسان. ***

بقلم الشاعر المتألق : فتحي فايز الخريشا 

*** حبيبة الإنسان. ***

أنتظرك،

مثلما تنتظر البذار رشحات الماء،

مثلما ينتظر العاشق إشراق وجه القمر حين الاكتمال،

مثلما ينتظر الحكيم تمام الوزنة في المكيال،

مثلما ينتظر الهائم ومضة الهدى على أفق الضياع،

مثلما ينتظر الشراع هبوب الريح ليُمخِرَ العباب،

مثلما ينتظر القلب الوجب على ضفة الانتساب الأمان،

مثلما ينتظر الشاعر صدى نبض روحه في جسد الطبيعة ونهى الكون،

مثلما تنتظر السنابل قبلة الشمس لزاهر الحصاد،

مثلما تنتظر النجوم أفق المساء لتتوَهّج بالضياء،

مثلما ينتظر المحب نور وجه محبوبته ليسكن فيه الوجد،


إيهٍ بوسع طاقة الصبر أنتظرك،

في وجوه الأنام العابرة على شاطئ الحياة نحو كثيف الضباب،

في أسطر الشعراء التي كُتبت بأمهـاج المحبة من مداد الصدق،

في شرود الأفلاك نحو غياهب مجهول المسافات،

في صمت موسيقى الأسحار،

في هدوء سكينة الليل،

في راجفة صخباء النهار،

في عيون الأطفال التي ترنو للصباح،

في ملامح الشيوخ التي تغازل المساء،

في كل ما يرتجي نهوضًا من قلب الطبيعة للنماء،

في لواحق الحبيبة التي تتأمل مديد أسرار البحر،


أنتظرك،

في مسارب المعرفة الناضجة أثمارًا على عساليج حكمة الارتقاء،

في أشرعة الارتحال،

في خطوط تجاعيد الرمال الضاربة تلألؤًا لعُرف الحقيقة بنقاء الصفاء،

في صلاة المتصوف الراشد لذاته على سجادة الإنسان،

في هذيان العاشق المكسور الجناح،

في دموع بكاء الغروب حين يتوشح سحاب المغيب،

في سارحة المتفكر بأحاجي الوجود،

في أماني من أراد نجاة الإنسان من خذلان الإنسان،


أنتظرك أيّتها المقصودة لتألق التنوير لصافي الخلاص،

في الصوامع والهيكل والمعابد والكنائس والمساجد والمحافل البلجاء،

على قارعة الطريق،

على حافة شط النهر،

في حقول الضفاف وعلى قمم الجبال،

في خيام الصحراء وقُرَى السهوب ومدن الحضارات،

في محطات القاطرات،

في الموانئ والمطارات،


أسأل العابرين والعائدين،

أسأل طيور الفضاء،

أمواج البحار،

أريج الزهور وأثمار الأشجار،

أسأل الزاهدين والرهبان،

أسأل عرفاء وأنبياء التاريخ وأولياء المخيط،

أسأل حكماء العزلة وكهّان السماء،

أسأل الضمير أينك من كوكب الأرض ودمعة الإنسان،

أسأل الأرواح التائهة عن ضياءك هل من مستقَرّ،

أسأل الوقت أفلا حان الأوان للمجيء،

أسأل السديم ألم تكتفِ أنت فيه اختفاءً،


ثم أمضي منتظرًا حلول يوم جديد،

أجفف دمعي الهتون،

أضمّد جراحي الخضراء،

أحبس في صدري حرارة التنهدات،

أحاول أن أجد العزاء في شموع المساء،

في قناديل السماء،

أحاول أن أقبض على متانة القدرة لكي أقوى على مزيد من الاصطبار،


وهذه المرتحلة تغوص أكثر في أخاديع الظلام،

تُرتّل كفرها بالبشري في كل دورة حول نفسه والجناة،

وهذا العالم يسير بسرعة فائقة نحو الغرق في كل زيف وبُهتان،

يركض نحو التحطم في الخراب والدمار،


وأنا أزداد تعلقًا بظهورك،

أرجع إليك،

أرفع شظايا الأحلام فوق بوارق الأمل،

أحملها على كف الانتظار إلى غد لعله يأتي بك،

منتظرٌ أنتِ يا حبيبتي كالصائم لحين التسبحة على مائدة الإفطار،

منتظرك يا أيّتها المخلصة النورانية بكل ناسكة التأمل على منسك الدوران،

يا سيدة الكون،

يا ابتسامة النور في عين الأزل،

يا نداء الخلاص ومعرفة السر المكتوم،


ألا هيّا هبّي علينا كما النسّمات المباركة بالجمال،

أظهري يا سيدة الوجود كبذار من أثلام الحرثاء،

يا أيّتها الإنسانية الرائعة الجمال والفائقة الحُسّن،

أعيدي ترتيب أرضنا وحياتنا كما النحلة في المعسلة على قرص العسل،

أعيدي بناء الحضارة في حقول السلام وفضاء الحرية كما يعيد المطر للأرض الماء،


وممّا نحن فيه من كفر بالإنسية خلصينا كالتائب الصادق من رجس الآثام،

جرفي الكذب وأغرسي فردوس الإنسانية في قلب الإنسان،

امنحي هذه الوجوه أسماءها المنسية على جرعاء الرمال لآفاق أنوار بدائع قباب السماوات،


أنتظرك يا حبيبتي كما ينتظر الوليد ليغفو على وسادة أثداء الإرواء،

ألا ليس إلا أنتِ يا أيّتها الإنسانية النقطة التي منها يبدأ الجمال،

التي منها ينبثق النور وإليها يعود،

ليس إلا إلكِ للخلاص الأكيد،

لسرّ وما أخفى يا محيا الإنسان الحي لكامل الاكتمال.

---

من ديوان حديقة النور

لمؤلفه: المهندس فتحي فايز الخريشا

توثيق: وفاء بدارنة 



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق