*** عالم بلا روح ***
النادي الملكي للأدب والسلام
*** عالم بلا روح ***
بقلم الشاعرة المتألقة: نور شاكر
*** عالم بلا روح ***
قصة قصيرة
بقلم : نور شاكر
في تلك الليلة من أغسطس كان كل شيء هادئًا، كأن العالم يستعد لنوم طويل ناموا جميعًا... البشر، الأحلام، حتى النوافذ أغلقت أعينها
استيقظنا لا أحد يعرف كم مرّ، إلا أن الشاشة الضوئية على الحائط كتبت بخط بارد "اليوم: 3 آب 2050"
ارتبكت ليلى لم تكن تعرف إن كان هذا حلمًا، أو مزحةً متقنة فتحت النافذة فلم ترَ الشارع الذي اعتادت أن تراه بل سماءً تتنفس ألواناً غريبة، ومباني تتداخل مع الغيم لم تعد تسمع ضجيج السيارات، بل أزيزًا ناعمًا يشبه همس الذكاء
خرجت إلى الشارع بخطوات مرتجفة رأَت الأطفال يُدَرسون من روبوتات تُعلِّمهم كيف يضحكون، وكبار السن يزرعون ورودًا بلا جذور في حدائق رقمية
كل شيء مُبهر، أنيق، ذكي… لكنه بارد
لا توجد حياة
في طريقها نظرت ليلى إلى المكتبة العامة… فلم تجدها حلّت مكانها شاشة عملاقة تومض بإعلانات تقول:
"المعرفة متوفرة بكبسة زر، لا حاجة للقراءة"
لم تعد الكتب موجودة، ولا من يقرأ، ولا من يكتب الأقلام تمر على الورق كالعابرين، تخط أحرفًا من ذاتها، دون أن تمسّ روحًا أو تثير شغفًا
حتى الذاكرة صارت سحابة، والمعلومة تُستدعى بلا عناء بلا بحث، بلا متعة اكتشاف
أكاد أقول إننا لم نعد بحاجة إلى مدارس ولا إلى معاهد، ولا إلى معلمين
الطعام يُحضَّر في مطابخ آلية، لا رائحة تُغري، ولا يد أم حانية تعبث بالدقيق وتغني
الأعمال تنجزها روبوتات بكفاءة… ولكن بلا روح وصار الإنسان مجرد جسدٍ يُغذيه الذكاء الاصطناعي، ويُحرّكه التطور والبدائل
عالم ميت لا عقل فيه، ولا نضج، ولا حرارة إنسان، ولا لهفة حب ولا عناق
مشاعر مزيفة… وعقول لاهية
مرت بجانبها فتاة، سألتها ليلى:
"أين الناس؟ أين المقاهي؟ أين الضحك الحقيقي؟"
ابتسمت الفتاة وقالت:
"كل ذلك صار مرفوعًا على سحابة، يمكن تحميله عند الحاجة"
سارت ليلى وسط المدينة، وكلما مشت أكثر شعرت أن شيئًا منها يُنسى… رائحة القهوة، ملمس يد أمها، صوت دعاء الصباح الذي تسمعه كل يوم، "سورة يس" تستمع اليها بصوت المنشاوي كل ليلة
في إحدى الزوايا، وجدت دكانًا صغيرًا كُتب عليه:
"أرشيف الذكريات القديمة"
دخلت استقبلها رجل مسن، ملامحه تشبه الزمن الذي كانت تسكنه ذات يوم
قال: "تبحثين عن نفسك؟"
أومأت برأسها
أخرج شريطًا شفافًا، وضعه أمام عينيها… فرأت نفسها، في زمن 2025، تضحك في الشارع، تركض تحت المطر، تبكي أمام كتاب، وتغفو على صوت أمها، ترتل ايات القرأن أناء الليل
سألته: "هل يمكنني العودة؟"
ابتسم بأسى: "الزمن لا يعود، لكنه يُختزن... اختاري: البقاء في المستقبل الذكي، أم العودة لذاكرة تجهلين إن كانت حقيقية؟"
أغلقت عينيها، وقبل أن تُجيب…
رنّ المنبّه.
فتحت عينيها…
العام ما زال 2025، والسماء تمطر، وصوت دعاء الصباح ينبعث من المذياع القديم الذي تحتفظ بهِ والدتها
تنفّست بعمق وهمست:
"لن أنام عن هذا الزمن بعد الآن"
بقلم : نور شاكر
توثيق: وفاء بدارنة


ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق