*** لا تهرَم يا أبتِ. ***
النادي الملكي للأدب والسلام
*** لا تهرَم يا أبتِ. ***
بقلم الشاعر المتألق: عيسى نجيب حداد
*** لا تهرَم يا أبتِ. ***
أيّها المهراسُ المُعمَّرُ من قدسِنا،
فأنا شاعرٌ أعرج...
لي قدمان وعكّازٌ ثابتان،
يسبحان على وجهِ البحرِ الميّت،
له ضفّتان: غربيّة وشرقيّة،
مغروستان في جسدٍ واحدٍ للأمّة،
على عكّازي من جبالِ القيقبِ والبلّوطِ أناجيك.
أيّها العابرُ على ذاكرةِ الزّيتونِ والسنديان،
انهض من قبرِك، واكتُبني قصيدةَ امتدادِك
على تلالِ عمّانَ والقدس،
ولا تُسافرْ بدوني،
فنحنُ حرفانِ لبدايةٍ تعشقُ نهايةً.
إن كنتَ أنتَ أوّلها، فأنا آخرها،
أتجوّلُ برباك،
سجِّلْ في ذاكرتِك، أيّها العتيق، أنّني الجديد.
أتمرّسُ فنونَ الرشفِ من عجلونَ بجُودِي،
ومن خمرِ الخوابي تهتزُّ كؤوسي لكلّ ذوّاق.
أحملُ على كفّي سوسنةَ الوهادنة، لأُزوّجها
بياسمينةٍ من بيتِ لحم،
فيَلدانِ شقائقَ النعمان.
انتَصِب، أيّها الشامخ، لنتلاقى على ساحاتِ بيسان،
فإنّها حديقةُ بيتي من ربضِ عجلونَ،
تَرْنُوها العيونُ مِنِّي.
انهضي، يا جنينُ المجد، ويا أريحا العزّ،
المكلَّلتان بالغار.
هذا صوتي الصارخ في البرّ،
ينادي لمعموديّة التحرير والخلاص.
أنا قوسُ نشّاب، من صُنعِ اليرموك،
مغروسٌ في عيونِ أعدائِك.
أنا من أزمنةِ انتصاراتِ مؤتة،
يَصولُ وسطَ معاركِ الأوّلين.
أنا بندقيّةٌ، رصاصي من عظامي القاسية،
وصَوّانُ بلادي.
أنا الأردنُّ، الذي لم يُولدْ إلّا وحيدًا،
لا تكريرَ له إلا بالخلود إرثًا.
فلا تهرَمْ يا أبتِ،
فاشْدُدْ عصبك بزيتٍ من معصرةِ الحجرِ المُرّ،
وادْهِنْ ركبتَيك من خمرِ الخوابي
المدفونة في كرومِ النّدى.
هناك، فوقها، غيمةٌ مارة،
تظلّلها من حرّ الشمس، حتى الديمومة.
كلانا سينهلُ منها عِتْقَ التحرّر،
للبقاء على أروقةِ الذاكرة نغْمًا
تشدوه العصافيرُ، والمقاومون الجُدد،
نشيدًا لوطنِنا على ذُرى المجد.
انهضْ،
فما هذا الشَّيبُ إلا قوّةٌ من كهولتِك،
وزهرٌ من شبابي،
يمتزجانِ بذراتِ تُرابِنا المُعطَّر
بدمِ الشهداء من أبناءِ جلدتِنا.
هذا قبرُك اليومَ، قصرِي،
سأسكنه ميراثًا،
لأُورّثه لكلّ الأجيال.
سأجعلُه مزارًا ومعبدًا في بواطنِ الدُّهور،
تذكارًا لكلّ المارّين.
عنوانُه هويّتُنا،
ومسقطُ رؤوسِنا،
ومأوانا العتيقُ للمواريث.
فلا يَغُرّنّك هذا الوَهن،
فإنّه كابوسٌ مارٌّ على الأحلام،
منّا زائل.
---
المفكّر العربيّ
عيسى نجيب حداد
موسوعة رحلة العمر
توثيق: وفاء بدارنة


ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق