الخميس، 29 أغسطس 2024


***رزق من السماء.***

النادي الملكي للأدب والسلام 

*** رزق من السماء.***

بقلم الشاعرة المتألقة: نورا طلحة 

*** من السماء.***

أحببت دائمًا الجلوس على شرفتي المطلة على الوادي بسفح الجبل الأخضر، حيث يسود الهدوء وتتناغم الطبيعة بألوانها وروائحها العطرة. الأشجار تتمايل برفق مع نسمات الرياح، والطيور تغرد بألحانها العذبة، فيما يتردد صدى المياه في الوادي القريب كأنها تعزف مقطوعة خالدة تلامس الروح. أحيانًا يزعجني صوت عصفور غاضب، لكنه أرحم من سائق غاضب يضغط على المنبه بلا رحمة. كان هذا المكان ملاذًا يعيد لي توازني ويحررني من ضغوط الحياة.

ذات يوم، لفت انتباهي جلوس سيدة نحيلة البنية تحت شجرة ضخمة عند سفح الجبل. كانت ترتدي عباءة بسيطة وتعرض أوراق الشجر التي جمعتها بعناية للسياح المارين بجانبها. رغم بساطة بضاعتها، كانت تبتسم لكل من يقترب منها، مستخدمة كلماتها اللطيفة لإقناعهم بشراء هذه الأوراق. قالت بصوت دافئ: "هذه الأوراق ليست مجرد نباتات. إنها هدية من الطبيعة، تعزز المناعة، تساعد على الهضم، وتهدئ الأعصاب."

تعجبت من أن السياح كان بإمكانهم قطف هذه الأوراق بأنفسهم من الأشجار المحيطة، لكن بحكمتها ولباقتها جعلتهم يرون فيها شيئًا أكثر من مجرد ورق.

ببراعتها، بدأت تجمع حولها مجموعات صغيرة من السياح، فيسألونها عن كيفية استخدام الأوراق وفوائدها المتعددة. كانت تشرح لهم بلطف ودقة، كأنها تنقل إليهم أسرارًا قديمة توارثتها عبر الأجيال.

مع مرور الوقت، بدأ السياح في شراء الأوراق، الرزمة تلو الأخرى، وكأنهم قد وجدوا فيها قيمة تفوق ما يمكن أن يقطفوه بأنفسهم. كان شعور الرضا يملأ وجوههم، فيما نظرت هي إلى السماء بشكر خفي، كمن يعلم أن رزقه يأتيه من حيث لا يحتسب. لم يكن بيع الأوراق مجرد تجارة بسيطة، بل كان وسيلة لتوفير لقمة العيش لها وتجديد الأمل في قلبها المتعب.

تابعت من شرفتي متأملة في هذا المشهد الذي يتجاوز مجرد بيع وشراء. أدركت حينها أن الله يفتح أبواب الرزق بطرق غير متوقعة، وأن الخير يمكن أن يأتي من حيث لا نعلم. هذه المرأة، التي كان يمكن أن تُترك وحدها وسط الطبيعة، وجدت في تلك الأوراق البسيطة مصدرًا للرزق وحياة كريمة بفضل الله الذي زرع اللطف والكرم في قلوب الناس.

علّمتني هذه السيدة البسيطة أن الحياة تُعطينا بقدر ما نؤمن ونصبر، وأن الله يدبر لنا من الأسباب ما يجعلنا نرى رزقه حتى في أبسط الأشياء.

بقلمي نورة طلحة 

المغرب

توثيق: وفاء بدارنة 



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق